للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حكى الرازي هذا القول ذاكراً دليله دون أن يسمى قائله، فقال في صدد حكاية مذاهب الناس في أصل اشتقاق اسم الله تعالى (الله) قال: "القول السابع: الإله من له الإلهية، وهي القدرة على الاختراع، والدليل عليه أن فرعون لما قال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣]، قال موسى في الجواب: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الشعراء: ٢٤]، فذكر في الجواب عن السؤال الطالب لماهية الإله: القدرة على الاختراع، ولولا أن حقيقة الإلهية هي القدرة على الاختراع لم يكن هذا الجواب مطابقاً لذلك السؤال" (١).

والجواب عن هذا الكلام من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: إن فرعون كان متظاهراً بإنكار وجود رب العالمين، بل كان يدّعي أنه رب العالمين بقوله: ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤]، وقال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ [الزخرف: ٥٤]، وقال: ﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر: ٣٧]. ولذلك كان سؤاله بقوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣]، سؤالاً عن وصف الرب تعالى وليس سؤالاً عن الماهية، إذ السؤال عن ماهية الشيء فرع الإقرار به، وهو لا يقر بالله متظاهراً، فمن لم يقر بشيء لا يسأل عن ماهيته (٢)، فمن سأل عن ماهية الإنسان فقال: ما الإنسان؟ فإن ذلك فرع إقراره بوجوده، وكذلك هنا (٣).

ويوضح هذا - أن السؤال عن الوصف وليس الماهية- آية أخرى وهي: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى﴾ [طه: ٤٩]، ومعلوم أن (من) لا يسأل بها عن ماهية الشيء وحقيقته، وإنما حقيقة معنى الإلهية هي: استحقاق الله للعبادة بما له من صفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص.

الوجه الثاني: إنه لو كان معنى إله: القادر على الاختراع كان معنى لا إله إلا الله أي: لا خالق إلا الله ولا قادر على الاختراع إلا هو، وهذا المعنى كان يقول به المشركون، ولذلك يحتج الله عليهم بمعرفتهم هذه بقوله: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٢]، أي


(١) شرح أسماء الله الحسنى: ١٢٤.
(٢) انظر: تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٣٢.
(٣) مجموع الفتاوى: ١٦/ ٣٣٤.

<<  <   >  >>