للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تبين الحلال من الحرام، فهناك ذكر الفقهاء أحكامها، بل أجازوا معظمها على تفصيل في ذلك، وربما ندبوا إلى بعضها لأدلة ناهضة استدلوا بها من الكتاب والسنة مقررة في موضعها.

إن أول من حظر هذه المسائل وغلا فيها فجعلها من مسائل العقيدة، واعتبرها شركاً أو ذريعة إليه هو ابن تيمية المتوفى سنة (٧٢٨ هـ) الذي انطوى مذهبه بعد وفاته ووفاة من تأثر به من تلامذته، كابن القيم المتوفى سنة (٧٥١ هـ)، ومن بعده ابن أبي العز الحنفي المتوفى (٧٩٢ هـ)، ثم اندثر مذهب ابن تيمية ما يقارب خمسة قرون، إلى أن جاء ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري فأحيا مذهب ابن تيمية من جديد، وراح يكفّر المسلمين من أجل مسائل القبور، بل ذهب أبعد من ذلك، إذ حمل السلاح هو وشيعته وراح يذبّح المسلمين ويمعن في استحلال دمائهم وأموالهم واعراضهم تطبيقاً لفتاوى ابن تيمية في مسائل القبور التي أعجب بها ابن عبد الوهاب" (١).

ثم قال: " ثم إن تشنيعكم على الأشاعرة لأنهم لم يدرجوا مسائل القبور في كتبهم ولم يعتبروها شركاً، أقول: إن هذا التشنيع والنكير لا يلزم الأشاعرة فحسب، إذ ليسوا هم وحدهم من تفرد بذلك، ولا وافقهم على ذلك الماتريدية والصوفية وغيرهم من الفرق فحسب، بل معهم أيضاً السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل القرون الثلاثة المفضلة، فهؤلاء لم يعتبروا مسائل القبور شركاً (٢)، ولا فهموا ذلك من الآيات والأحاديث التي يستدل ابن تيمية بها على ذلك، وقد بسطت ذلك في الكلام على الاستغاثة، وبينت أن كل الآيات التي استدل بها ابن تيمية على هذه المسألة لم يفهم أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم ما فهمه؛ من أنها دالة على حرمة وشرك من يدعو الغائبين والأموات" (٣).

حقيقة هذه الدعوى:


(١) نقلا عن: مغالطات السلفية: ٤٣٥.
(٢) تعليق من صاحب الكتاب: نعم قد تجد رواية هنا أو هناك عن فلان أو فلان من السلف كره هذه المسألة أو تلك من مسائل القبور كراهة تنزيهية أو تحريمية على أكبر تقدير ولكن لا يصل إلى حد الحكم بالشرك أو الكفر كما يزعم ابن تيمية، كما أن هذا معارض مواقف كثيرة عن السلف أجازوا كثيراً من مسائل القبور التي حظرها ابن تيمية وجعلها شركاً أو ذريعة إليه.
(٣) المرجع السابق: ٤٣٨.

<<  <   >  >>