المقتضي لقول الإمام أحمد في حديث عراك الغفاري: إنه أحسن ما في هذا الباب، مع إرساله- وقد تقدم.
وأما حديث ابن عمر: فيصلح دليلًا على المذهب الرابع الذي يفرق فيه بين الاستقبال والاستدبار، فيمنع الاستقبال، ويباح الاستدبار، وذلك أن حديث أبي أيوب عام فيهما معًا، والعام إذا ثبت تخصيصه في صورة، كان فيما عداها باقيًا على عمومه، ولم يخص حديث ابن عمر، مما تناوله حديث أبي أيوب، إلا الاستدبار فقط، فبقي الاستقبال المنهي عنه في حديث أبي أيوب بحاله، ولا يحسن في الاستقبال، أن يقاس عليه لأمرين:
أحدهما: أنه أفحش من الاستدبار على كلا التعليلين: من حرمة القبلة -كما هو الراجح عند أصحاب الإمام مالك -رحمه الله- أو من حرمة المصلين، -كما اختاره أصحابنا-.
الثاني: أنّه تقديم للقياس، على مقتضى العموم، وفيه ما فيه كما هو معروف في أصول الفقه، فهذا ما في حديث ابن عمر.
وأمَّا حديث جابر:"فرأيته قبل أَن يُقبض بعام يستقبلها" تضمن أيضًا ذكر الاستقبال، فاستفيد الحكمان مِن الحديثين معًا، ولذلك أَودعهما الترمذي كتابه، وقدم حديث الاستقبال، إذ هو الأهم، كما أشرنا إِليه وأخَّر حديث الاستدبار -وإن كان أَقوى سندًا وأَصح مخرجًا- ولم يذكر حديث عائشة إلَّا بطرف منه، لمحل الإِرسال والاستفتاء عنه بما ذكره وإِذا قلنا بالتخصيص، كما ذهب إليه الشافعي -رحمه الله- ومن حكينا ذلك عنه، فالختار عند أَصحابنا أنه إِنما يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان إذا كان قريبًا مِن ساتر -جدارٍ أو نحوه- بحيث يكون بينه وبينه ثلاثةَ أذرع فما دونها، وبشرط آخر، وهو: أَن يكون الحائل مرتفعًا، بحيث يستر