أو الجمعتين لا يقتضي أعضاء مخصوصة احتيج إلى استثناء الكبائر في ذلك ولم يحتج إليه هاهنا وإذا انتفى التكفير عما فيه شائبة الحقوق البشرية من القتل والعقوق والسرقة والتولي يوم الزحف المؤدي إلى خذلان من تجب نصرته والغيبة والنميمة وما أشبه ذلك وعن ما ليس من كسب الأعضاء المذكورة كالزنا وعن ما اشتركت فيه الأعضاء وأمد بعضها بعضًا كتعاطي المحرمات من حضور مجالس اللهو وشرب الخمر وغير ذلك فخليق بأن لا يرد التكفير إلا على الصغائر بل ليس كل الصغائر داخلًا في ذلك إذ منها ما يشترك فيه الأعضاء المذكورة مع غيرها ومنها ما ليس من كسبها كالظن والعزم المستمر على المعصية وأنواع الترك وما أشبه مما خرج عن التكفير بالوضوء فداخل ذلك فيما تكفره الصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة فيكون الوضوء مكفرًا لبعض الصغائر والصلاة التي هي أكبر وسيلة تأتي على ما لم يأت عليه الوضوء من الصغائر.
وقد قال أبو العباس القرطبي وغيره من المتأخرين: لا بعد في أن يكون بعض الأشخاص تكفر له بذلك الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويرد عنه من الإحسان والآداب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد اختلفت ألفاظ الحديث ففي بعضها ما اجتنبت الكبائر وفي بعضهما ما اجتنبت المقتلة وفي بعضها ما لم تغش الكبائر والمراد منها أن بهذه الطاعات تكفر الصغائر دون الكبائر لا أن الصغائر لا تكفر إلا بشرط اجتناب الكبائر وإن كان السابق إلى الذهن معنى الشرطية فيه وأن المعنى الآخر لا يأباه اللفظ وعليه المعنى وإلا لامتنع التكفير بالصلوات والجمعة ورمضان غالبًا إذ التنزه عن كل كبيرة عزيز جدًّا وقد أورد على هذا إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة والجمعة ورمضان وما أشبه ذلك من صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء وقوله:"من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"؟