للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الحميد الحراني وبين وفاتيهما سبع، وقيل: ست، وقيل: خمس وتسعون سنة (١).

روى له الجماعة، وكان فُلج قبل موته بسنة ونصف فقد ظهر بهذا ترجيح زهير على إسرائيل في المعرفة والحفظ والإتقان في الشيوخ وترجيح إسرائيل عليه في أبي إسحاق خاصةً، فإلى الترجيح المطلق نظر البخاري وإلى الترجيح الخاص نظر الترمذي، وقد كان يشبه أنَّ يكون الترمذي أولى بالصواب لولا أنَّ في حديث أبي عبيدة علَّةُ الانقطاع التي سلم منها حديث زُهير، فقد قيل: إنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله شيئًا؛ ذكر ذلك غيرُ واحدٍ منْ الحفاظ منهم الترمذي وغيره.

ووجهٌ ثان من ترجيح حديث زهير: يستفاد من الكيفية التي وقع الإخبار بها عند البخاري وغيره ممن خرَّجه؛ وهي قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فقد اقتضى هذا استحضار أبي إسحاق للسندين عند إرادة التحديث، واختياره حديث عبد الرحمن بن الأسود وأنَّ ذلك صدر عن يقظة وتثبت وإضراب عن حديث أبي عبيدة على عَمَد وأنه آخرُ الأمرين من أبي إسحاق لا سيما عند من يرى أنَّ سماعَ زهيرٍ منه متأخرٌ عن سماع إسرائيل، فلولا شبهة اختلاط أبي إسحاق بأخرة لكانت هذه الرواية قاضية على تلك ولتعيَّن المصير إليها. ولعلَّ عدوله عن حديث أبي عبيدة إنما هو للانقطاع الذي ذكره الترمذي، وأما ما زعمه ابن الشاذكوني من أنَّ ذلك من خفي التدليس (٢) وتبعه على هذا القول من قلَّده فيه فقول بلا برهان وسيأتي الكلامُ عليه إن شاء الله تعالى.

وأيضًا فحديثُ زهيرٍ أشهر مخرجًا رواه البخاري عن أبي نعيم عنه (٣)؛ والنسائي (٤)


(١) "السابق واللاحق" ص (٢٠٤ - ٢٠٨).
(٢) ذكره الحاكم في "معرفة علوم الحديث" ص (١٠٩) عنه.
(٣) وذلك في "صحيحه" (كتاب الوضوء ١/ ٧٠ / ١٥٥) باب الاستنجاء بالحجارة.
(٤) وذلك في "سننه" (كتاب الطهارة ١/ ٤٢ / ٤٢) باب الرخصة في الاستطابة بحجرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>