قال القاضي عياض:"واختلفوا، متى فُرِضَتْ الطهارة للصلاة؟ فذهب ابنُ الجَهم إلى أن الوضوءَ في أولِ الإِسلام كان سنة، ثم نَزَلَ فَرْضه في آية التيمم.
وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فَرْضًا.
قال: واختلفوا في أنّ الوضوء هل هو فرضٌ على كل قائم إلى الصلاة، أم على المحدث خاصة؟
فذهب ذاهبون مِن السلف إلى أنَّ الوضوءَ لكل صلاةٍ فرضٌ بدليل قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ...} الآية.
وذَهَب آخرون إلى أنّ ذلك كان ثمّ نُسخ.
وقيل: الأمر به لكل صلاةٍ على النَّدْبِ.
وقيل: بل لم يُشْرَع إلّا لمن أحْدَث، ولكن تجديده لكلّ صلاة مستحبّ، وطى هذا أجمع أهلُ الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه اختلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم مُحْدِثين.
قلت: وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ في حديث حُميد عن أنس: "كان يتوضأُ لكل صلاة" إن شاء الله تعالى.
وقوله: "هذا الحديث نصّ في وجوب الطهارة للصلاة". ظاهرٌ لما يقتضيه مِن انتفاء القبول عن الصلاة، عند انتفاء شرطها، -وهو الطهارة-، فكذلك يقتضي مفهومُهُ وجودَ القبول، إذا وُجِدَ شرطُه، وهو المراد.
والقبول موكول إلى علم الله تعالى ليس لنا بوجوده علم، فلا بدّ مِن الكلام على معنى القبول، فنقول:
"القبول": ثمرةُ وقوعِ الطاعة مُجْزِئة، رافعة لما في الذمة.
ولمّا كان الإتيان بالصلاة بشروطها مَظِنّة الإجزاء، الذي هو ثمرة القبول، عبّر