للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه؛ فإن كان قليلًا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام، لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء، وإن كان كثيرًا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، فإن كان جاريًا فلا بأس به وإن كان راكدًا فليس بحرام، ولا تظهر كراهته لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه (١).

قلت: أما قول الشيخ محيي الدين رحمه الله: وهذا النهي في بعض المواضع للتحريم، وفي بعضها للكراهة؛ فهو من باب استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين (٢)، وفيه من الخلاف ما هو معروف عند أهل الأصول هذا إن حملنا النهي حقيقة على التحريم (٣)؛ كما هو المختار عندهم، وفي قوله - عليه السلام -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ... " الحديث، عموم لا بد من تخصيصه اتفاقًا بالماء المتبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه يتحرك الآخر؛ كما قاله الحنفيون (٤)، أو بحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي (٥) ومن ذكرنا أو بالعمومات الدالة على طهورية الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة لقول مالك، ومن نحا نحوه ولو ثبت لنا مقدار القلتين بثبوت حديثهما لكان تخصيص الشافعيين هذا الحديث بحديث القلتين أولى مما فعله الحنفيون، إذ هو تخصيص بمنطوق والحنفيون إنما خصوه بمعنى فهموه؛ وهو سراية


(١) المصدر السابق.
(٢) ذهب الشافعي وجمهور أصحابه إلى جواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه ومنعه الحنفية وغيرهم.
انظر: العدة (٢/ ٧٠٣)، المسودة (١٦٦)، الإحكام للآمدي (٢/ ٢٤٢)، المحصول (١/ ٢٦٨) و (١/ ٣٤٣)، المدخول (١٤٧) البحر المحيط (٢/ ١٣٩) شرح الكوكب المنير (٣/ ١٩٥).
(٣) النهي المجرد عن القرائن يفيد التحريم عند الجمهور، إحكام الفصول (١٢٥) المنقول (١٢٦)، المحصول (٢/ ٢٨١)، شرح تنقيح الفصول (١٦٨)، كشف الأسرار (١/ ٢٥٦) البحر المحيط (٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧).
(٤) انظر مختصر الطحاوي (١٦)، الكتاب مع شرحه اللباب (١/ ٢٢)، الهداية (١/ ٧٠) شرح فتح القدير (١/ ٦٨) العناية على البداية (١/ ٧٠).
(٥) انظر طرح التثريب (٢/ ٦١٠) رسالة علمية وشرح الإلمام (١/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>