والنوع الثالث في اختلاف رواية الحديث وهو يضم أبحاث زيادة الثقات، والشاذ المحفوظ والمنكر والمعروف والمضطرب والمقلوب والمدرج والمصحف والمعلّ.
واختلاف الرواة ظاهرة مهمة تحتاج إلى بحث وتقص، لما يتكشف عنها للمحدث من فوائد في السند أو المتن أو فيهما، فربما تكشف وهم راو أو تقوي الحديث أو نحو ذلك.
على سبيل المثال ففي صنف الحديث المقلوب يذكر العلماء أن أشهر اختبار فعله المحدثون لامتحان قدرة شخص ومكانته في الحديث، حينما عمدوا إلى مئة حديث - وهم يمتحنون الإمام البخاري أول ما نزل بغداد - فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة أنفس - إلى كل رجل عشرة أحاديث - ولما اطمأن مجلس البخاري بجلسائه انتدب إليه أول رجل من العشرة، فأورد عليه حديثه الأول بسنده المقلوب، فقال البخاري: لا أعرفه، ثم الثاني والثالث، وهكذا حتى انتهى من عشرته، والبخاري يجيبه: لا أعرفه. ثم انتدب الرجل الثاني ففعل مثل ما فعل الأول، وهكذا فعل الرجال العشرة والبخاري لا يزيد على (لا أعرفه) حتى إذا فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا وصوابه كذا، والثاني كذا وصوابه كذا، ثم رد على الرجل الثاني إلى تمام الرجال العشرة، حتى رد كل متن من متون المئة حديث المقلوبة إلى أسانيدها، وكل إسناد إلى متنه، فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا (١).
(١) رواها ابن عدي في جزء أسامي من روى عنهم البخاري من مشايخه ٢/ أ ومن طريقه رواها الخطيب في تاريخ بغداد ٢/ ٢٠. وانظر وفيات الأعيان ٤/ ١٨٩، وسير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٠٨، وطبقات الشافعية الكبرى ٢/ ٦، والبداية والنهاية ١/ ٢٥.