للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومن ثم افتقر الأمر إلى معرفة ضبط الراوي وصدقه، فكانت الحاجة ماسة إلى استكمال هذا الأمر، فكان نشوء ((علم الجرح والتعديل)) أو ((علم الرجال)).

وعلى الرغم من أن هذا العلم لم يكن فجائي الظهور، إلا أنه لا مناص من القول بأنه كان مبكر الظهور جدًا، وبنجلي ذلك مما نقلناه سلفًا عن ابن سيرين، ولقد كان المسلمون مطمئنين إلى أن الله تعالى يهيئ لهذا الأمر من يقوم به ويتحمل أعباء هذه المهمة الجسيمة، فلقد أسند ابن عدي في مقدمة الكامل (١)، وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات (٢) أنه قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣).

ولم يخلُ عصر من العصور من إمام يقوم بواجب هذه الصنعة، إلا أن المنهج -وكما يعرفه المختصون- اختلاف من المتقدمين إلى المتأخرين. فبعد أنْ كان عند المتقدمين قائمًا على الاجتهاد والأصالة والسبر والاستقراء، أصبح عند المتأخرين قائمًا على الترتيب والجمع والتصنيف، ومن خلال التطور الزمني للتصنيف في علم الجرح والتعديل، كان "الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي أحد حلقات تطوره، والذى نال من الاهتمام ما لا ينكره متعقل، ومن ثم تكاثرت فروعه، فكان أحد تلك الفروع كتاب: "تقريب التهذيب" لحافظ عصره بلا مدافع، وإمام وقته بلا منازع أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-.


(١) (١/ ١٩٢).
(٢) (١/ ٤٦).
(٣) الحِجر:٩.