للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولقد برزت في هذا الكتاب -كما في غيره من كتبه- شخصية الحافظ الناقد الخبير البصير بمواضع الكلام، ومراتب الرواة، وعلل أحاديثهم، فكان خير تعبير عن علم جمٍّ وافر، وذوق ناقد ماهر، فلقي من القبول ما لم يكد يلقه كتاب آخر في موضوعه، ولم يجرأ أحد من الناس على رد أحكام الحافظ -بل: غاية ما كان استدراكات لا يخلو عمل بشري من العوز لها- منذ تأليفه في النصف الأول من القرن التاسع الهجري حتى وقت قريب.

ثم ليس أمر الكلام في الرواة شيئًا يسيرًا أو هينًا، لذا اشترطت في المجرح والمعدل: العدالة، والدين المتين، والورع، لذا قال الإمام السبكي- رحمه الله- وهو يتحدث عن صنوف العلماء: ((ومنهم المؤرخون وهم على شفا جرفٍ هارٍ، لأنم يتسلطون على أعراض الناس، وربما نقلوا مجرد ما يبلغم من صادقٍ أو كاذبٍ، فلا بد أن يكون المؤرخ عالمًا عادلًا، عارفًا بحال من يترجمه ليس بينه وبينه من الصداقة ما قد يحمل على التعصب ولا من العداوة ما قد يحمله على الغض منه)) (١).

اهتم العلماء منذ وقت مبكر بتأليف الكتب التي تتكلم عن الرواة، وتحكم عليهم، وتبين مراتبهم من التوثيق والتضعيف وغير ذلك، وفائدة هذا: التوصل إلى معرفة صحة الحديث من سُقْمِه؛ لذا زخرت المكتبة الإسلامية بلجم الغفير من الكتب منذ نهاية عصر التدوين حتى يوم العاد هذا، وكانت من الكثرة بحيث أصبحت عملية عدها مستعصية على العادِّ ويكاد يكون أمرًا غير ممكن، إلا أن هناك بعضًا من المصنفات نالت حضوة لدى الباحثين وقيمة عليا عند المحققين منها: تاريخ يحيى بن معين (برواياته المختلفة)


(١) معيد النعم ومبيد النقم، ص (٧٤)، وانظر: أربع رسائل في علوم الحديث تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبي غدة ص (٧١).