فأتى إلى قومه قد يئس من أن يستبقيهم، وأخبرهم بالذي كلمه به والذي رجع إليه، ونفذ سعد حتى أتى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال:((يا سعد أحكم بيننا ويينهم))، فقال سعد -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أحكم فيهم بأن تقتل مقاتلتهم، ويغتنم سبيهم، وتؤخذ أموالهم، وتسبى ذراريهم ونسائهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((حكم فيهم سعد بن معاذ بحكم الله))، ويزعم ناس أنهم نزلوا على حكم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ، فأخرجوا رسلًا رسلًا فضربت أعناقهم، وأخرج حيي بن أخطب، فقال له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((هل أخزاك الله؟))، فقال: قد ظهرت علي وما ألوم نفسي فيك، فأمر به رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخرج إلى أحجار الزيت التي بالسوق، فضربت عنقه، كل ذلك بعين سعد بن معاذ. وزعموا أنه كان بريء كلم سعد وتحجر بالبرء، ثم إنه دعا، فقال: اللهم رب السماوات والأرض فإنه لم يكن في الأرض قوم أبغض إلي من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، وإني أظن أن قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي بيننا وبينهم قتال فأبقني أقاتلهم فيك وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجر هذا المكان واجعل موتي فيه، ففجره الله تبارك وتعالى وإنه لراقد بين ظهري الليل، فما دروا به حتى مات، وما رقأ الكلم حتى مات رحمه الله.
سيأتي ذكره في أحاديث عروة بن الزبير.
٣٥٢ - ثم إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعدما هاجر وجاء الذين كانوا بأرض الحبشة، بعث بعثين قبل الشام، إلى كلب وبلقين، وغسان وكفار العرب الذين في مشارف الشام، فأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أحد البعثين أبا عبيدة بن الجراح، وهو أحد بني فهر، وأمر على البعث الآخر عمرو بن العاص، فانتدب في بعث أبي عبيدة أبو بكر وعمر، فلما كان عند خروج البعثين، دعا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أبا عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص، فقال لهما:((لا تعاصيا))، فلما فصلا عن المدينة، جاء أبو عبيدة، فقال لعمرو بن العاص: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد إلينا