للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فالأصل في المقبول عند الحافظ أنه ضعيف، إذ ((لين الحديث)) من ألفاظ التجريح (١)، فإذا توبع الراوي رفعته المتابعة إلى مرتبة القبول، فالمتابعة شرط لارتقاء الراوى من الضعف إلى القبول عند الحافظ ابن حجر، و ((المقبولية)) أول درجات سلّم القبول بمعناه الأعم.

ولكن ينبغي لنا أن لا نَغْفل عن أن الحافظ ابن حجر يضع أصلًا آخر للمقبول عنده، وهو كونه ((قليل الحديث) وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا قلة الحديث؟

نقول: إنَّ الراوي إذا كان قليل الحديث كان من السهل عليه ضبط حديثه وإتقان حفظه، إلا أنه لم يكن ذا شهرة تجعله محط رحال المحدثين، فيشتهر بينهم وتنطلق ألسنتهم بمدحه والبهاء عليه، أو ذمه والحط منه، لذا بقي هذا الراوي دائرًا في فلك خاص به، فليس هو بالحافظ المشهور فيرتقي إلى مصافهم وليس بالضعيف المعروف فينزل إلى سننهم، ولما كان هو خاليًا عن كل حكم من النقاد، وكان حديثه قليلًا ليس فيه ما يدل على خطئه، وتوبع على أحاديثه القليلة، خرج عن حيز الضعيف، وصار إلى مرتبة القبول، فإذا اختل شرط من هذه الشروط عدنا إلى الأصل فيه وهو الضعف. ولذا كان من منهجه -رحمه الله- أن الراوي إذا كان بهذه الصورة، إلا أنه قد وجد جرح لأحد النقاد فيه قُدِّمَ الجرح؛ لأنه صار بمثابة مرجح لأحد الطرفين (٢).

والشيء الملاحظ على هؤلاء الرواة المقبولين عند الحافظ ابن حجر، أن كثيرًا منهم وصف بالجهالة، وهذه فائدة عزيزة يجب التنبه لها، إذ الغالب على هؤلاء -كما سبق- عدم الشهرة، لذا فإن كل راوٍ منهم لم يكن له نصيب


(١) أنظر: شرح التبصرة والتذكرة (١٢/ ٢). فقد جعلها من المرتبة الخامسة.
(٢) أنظر: لسان الميزان (١/ ١٥، ١٦)، ونزهة النظر (ص ١٩٣).