الموجود من حيث هو موجود، فضلا عن العاقل من حيث هو عاقل، وإن تناولت جميع ذلك من جهة كونه معلوما، وهو من هذا الوجه ليس بعاقل، فتعين التعبير عنه لغة بصيغة ما لا يعقل.
فتأمل ذلك، فهو كثير، وتورد الفضلاء الأسئلة لأجله، فتقول: كيف عبر عمن يعقل في هذه الآية أو في هذا الحديث بصيغة ما لا يعقل؟
والجواب: أنه في الحقيقة ما عبر بـ (ما (إلا عما لا يعقل، ومن ذلك قوله تعالى:{أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء}، فعبر بـ (ما (، ولم يقل: انظروا إلى من خلق الله، ولو قال ذلك، لفات العموم الحاصل في جميع الموجودات، واختص الكلام بطور العقلاء، فتأمل ذلك فهو اللغة والمعقول، وليس فيه التعبير عمن يعقل بلفظ (ما) ألبتة، بل اندرج من يعقل من جهة أنه لا يعقل، هذه صورة الاندراج لمن يعقل في صيغة ما لا يعقل.
وأما اندراج ما لا يعقل في صيغة من يعقل، فله سببان:
أحدهما: التغليب، كما إذا قلت: رأيت من في الدار، / وأنت تريد الرجال والنساء، والجمادات، والبهائم، فإنك تقول: رأيت من في الدار، ولا تقول: ما في الدار، تغليبا لوصف العقلاء، لشرفه على البهائم، والجماد لخسته، وتعم الصيغة الجميع، لكن تعميما ينشأ عن إرادة المستعمل، دون الوضع