التعبير عنه بـ (ما) لا بـ (من)، ويندرج في ذلك العموم كل عاقل من حيث هو معبود أو مخلوق، لا من جهة أنه عاقل، وهو من جهة أنه مخلوق أو معبود لا يستحق لفظ (من)، بل لفظ (ما) خاصة، فلذلك عبر عن العموم في هذه الصور/ بلفظ (ما) مع اندراج العقلاء فيه، وهي قاعدة جليلة فتفطن لها، فقد تقدم تقريرها، وسيأتي مزيد بسطها، وتقدم أيضا أن هذه القاعدة تقتضي أن العام في الأشخاص مطلق في الأحوال، فإن العقل حالة تعرض لهذه العمومات، فلو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال أيضا لكان قد يتناول اللفظ من يعقل وما لا يعقل، فيتعين تغليب من يعقل، والتعبير حينئذ يتعين بـ (من)، لا بـ (ما)، فلما كان التعبير بـ (ما)، دل ذلك على عدم العموم في الأحوال، وبهذه القاعدة أمكن الجمع بين نقل النحاة أن (ما) لما لا يعقل وبين صحة سؤال ابن الزبعري وتقرير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، وحصول اندراج الملائكة والمسيح من جهة عامة، لا تستحق تلك الجهة من حيث هي لفظ (من)، بل (ما)، وهذا جواب سديد لم يتفطن له كثير من الفضلاء، بل أجابوا عن الآية وصحة السؤال بأن (ما) يستعمل لمن يعقل، كقوله تعالى:{والسماء وما بناها}، {ولا أنتم عابدون ما أعبد}، وهذا جواب لا يثبت معه جادة نقل النحاة، بل يحصل التعارض فقط، وأما مع ملاحظة هذه القاعدة لا يحصل تعارض وتقسيم هذه الألفاظ كلها.
الوجه السادس: في الدلالة على أن هذه الصيغ للعموم: أن القائل إذا قال: جاءني كل فقيه في البلد، أو من في البلد من الفقهاء، فمن يريد مناقضته في الجملة يقول (له): ما جاءك كل فقيه، أو ما جاءك من في البلد من الفقهاء، وهذا الأخير سلب جزئي اتفاقا وتقرر في قواعد المنطق أن السلب