الاثنين أنه يجيء، (مع أن) شأن المجيء أن يكون مشكوكا/ (١٥٥/ ب) فيه عادة، بخلاف قولنا: إن طلعت الشمس غدا فأتني، فإنه ليس من شأنه أن يشك فيه. فهذا ضابط هذا الباب: أن يكون ذلك المنوال عربيا، وشأنه في العادة ذلك، فيحسن استعماله مطلقا في كلام الله تعالى وفي غيره، فتأمل هذا المعنى فهو محتاج إليه كثيرا في فهم الكتاب العزيز.
فظهر أن القاضي لا يلزمه من الآيتين سؤال، وإنما كان يلزمه السؤال أن لو كان ذلك معلوما للخلق عند النطق بذلك الكلام، كما ينكره القاضي في قول القائل: له عندي عشرة إلا تسعة، فإن القاضي يقول: إقدامه على النطق بالعشرة مع علمه بأن أكثرها لا يلزمه، اشتغال باللغو في الكلام بخلاف إذا لم يعلم، ولا يكون ذلك مفهوما ألبتة عند النطق، بل الغيب يكشف عنه في المستقبل، فهذا فرق عظيم بين البابين.
وثانيهما: سلمنا استواء البابين، لكن المستثنى في الصورتين أقل.
أما قوله تعالى حكاية عن إبليس} إلا عبادك منهم المخلصين}، (فهؤلاء لا يشمل) المخلصين، لقوله:(منهم)، إشارة إلى بني آدم (وإنه يغوي بعضهم فإن بعض العباد لا يتعين فيهم عموم، بل يصدق بأي عدد كان من بني آدم)، كأنه قال: إلا المخلصين من بني آدم أقل من المجرمين.
وأما قوله:{إلا من اتبعك من الغاوين}، فهو أقل أيضا؛ لأن قوله تعالى يشمل الملائكة، لكونه اسم جنس أضيف فيعم، والمتبع له بعض