وعن الثاني: أن السابق إلى الفهم أن مخالفة الحديث للكتاب إنما تكون معارضة لما فهم أنه مراد من الكتاب، كما إذا قلنا: زيد يخالف عمرًا في كلامه، أي: فيما فهم عنه أنه مراده، أما إذا خالفه في ظاهر لفظه ووافق مقصوده، إنما يقال له: موافق لا مخالف، والمخصص موافق للمراد وبيان له، فلا يكون مخالفًا له، فلا يتناول هذا الحديث الخبر المخصص، سلمنا أن ظاهره يدل على ذلك، لكن يلزمكم أن لا تجوزوا تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، فإنها على خلاف الكتاب.
وعن الثالث: أن البراءة الأصلية يقينية، ثم إنا نتركها بخبر الواحد، فبطل قولكم:(المقطوع لا يترك بالمظنون).
وبسط ذلك: أن البراءة الأصلية يقينية الأصل، مظنونة الاستصحاب، بمعنى أن الواحد منا يقطع بأنه ولد بريئًا من جميع الحقوق قطعًا، ثم إنه إذا كبر وصار بالغًا، لا يحصل له ذلك القطع في خصوص ذلك الزمان، بل بظنه، ولذلك يقبل في شغل ذمته الشاهدين، والشاهد واليمين، ولو كان ذلك اليقين باقيًا لما رفعناه بالأسباب المظنونة، كذلك العموم مقطوع السند مظنون الدلالة، وخبر الواحد إنما يفيد في صرف الدلالة عن الفرد المخرج، وهي ظنية، وليس لخبر الواحد اثر في السنة أصلًا، فحصل التشبيه بين البراءة والعموم في أن الخبر إنما رفع المظنون، فالمرفوع فيهما مظنون وأصلهما مقطوع.
وعن الرابع: أن الفرق بينهما: أن النسخ رفع للحكم لما علم أنه كان ثابتًا فيه، والتخصيص في الأعيان إخراج لما لم يكن الحكم ثابتًا فيه ألبتة،