اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مُعَيَّنًا عَاقِلًا، أَوْ غَيْرَهُ وَكَانَ لَا يَشْرَعُ فِي الْعَمَلِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ فَإِنْ شَرْطَ نَقْدِ الْأُجْرَةِ يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ لِاحْتِمَالِ تَلَفِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ فَيَكُونُ سَلَفًا وَسَلَامَتُهُ فَيَكُونُ ثَمَنًا فَالْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّة وَالثَّمَنِيَّةِ وَتَقْيِيدُ الْأَجِيرِ بِالْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي أَنَّ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ تَعْجِيلُ النَّقْدِ، أَوْ الشُّرُوعُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَعَ مَسَائِلَ يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهَا مُطْلَقًا بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ وَضَابِطُ ذَلِكَ كُلُّ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ يُمْنَعُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِكَوْنِ الثَّمَنِ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمَنْعِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَمَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ فَقَالَ (وَمَنْعُ) النَّقْدِ (وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي) بَيْعِ (مُوَاضَعَةٍ) بِخِيَارٍ (وَ) بَيْعِ شَيْءٍ (غَائِبٍ) بِخِيَارٍ (وَ) فِي (كِرَاءٍ ضُمِنَ) بِخِيَارٍ وَلَا مَفْهُومَ لِضُمِنَ فَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً مَثَلًا مُعَيَّنَةً، أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْخِيَارِ لِيَرْكَبَهَا مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا مُطْلَقًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْخَلَفِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ النَّقْدَ بِشَرْطٍ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ لِحِرْزِ الزَّرْعِ مُفْسِدٌ لَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ خَلَفُ الزَّرْعِ إذَا تَلِفَ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ خَلَفُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَيَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ فِيهِ فَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى ضَعِيفٍ لِأَجْلِ جَمْعِ النَّظَائِرِ، نَعَمْ إذَا كَانَ الزَّرْعُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى حِرَاسَتِهِ مُعَيَّنًا فَلَا يَجِبُ الْخَلَفُ اتِّفَاقًا وَحِينَئِذٍ فَيَمْتَنِعُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ.
(قَوْلُهُ عَاقِلًا، أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ كَمَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا وَقْتَ صَلَاحِ الْبَحْرِ لِلرُّكُوبِ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ وَقْتُ صَلَاحِ الْبَحْرِ لِلرُّكُوبِ قَرِيبًا، مِثْلُ نِصْفِ شَهْرٍ جَازَ شَرْطُ النَّقْدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ كَعِشْرِينَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ (قَوْلُهُ فَكَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَأُجِيزَ تَأَخُّرُ شُرُوعِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ وَيُعْلَمُ الْمَنْعُ عِنْدَ تَأَخُّرِ شُرُوعِهِ شَهْرًا بِالْأَوْلَى، وَأَمَّا عِبَارَتُهُ فَتُوهِمُ عَدَمَ الْمَنْعِ عِنْدَ تَأَخُّرِ شُرُوعِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَهْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَالْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ امْتِنَاعَ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَيْهِ تُعَدُّ سَلَفًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ جَازَ النَّقْدُ مُطْلَقًا، وَلَوْ بِشَرْطٍ لِعَدَمِ وُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لَا تُعَدُّ سَلَفًا (قَوْلُهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ تَعْجِيلُ النَّقْدِ) أَيْ، وَإِلَّا كَانَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَقَوْلُهُ، أَوْ الشُّرُوعُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ (قَوْلُهُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي مَنْعِ النَّقْدِ فِيهَا بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ بَلْ هَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ لِمَسَائِلَ أُخَرَ غَيْرَهَا وَلِذَا زَادَ بَعْضُهُمْ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ بِخِيَارٍ؛ لِأَنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَلَا تَدْخُلُ فِي أَيَّامِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِهَا فَائِدَةٌ (قَوْلُهُ كُلُّ مَا) أَيْ كُلُّ مَبِيعٍ (قَوْلُهُ يَمْنَعُ النَّقْدَ فِيهِ) أَيْ تَطَوُّعًا وَبِشَرْطٍ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) أَيْ، وَهُوَ الْمِثْلِيُّ مَكِيلًا كَانَ، أَوْ مَوْزُونًا، أَوْ مَعْدُودًا بِأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَأْسَ مَالٍ السَّلَمَ وَأُجْرَةَ الْكِرَاءِ وَثَمَنَ الْأَمَةِ الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ الْغَائِبِ فَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ نَقْدُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بَتًّا، أَوْ عَلَى الْخِيَارِ، وَلَوْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُقَوَّمَاتِ لَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يُفْسَخَ فِي غَيْرِهِ، وَالْغَيْبَةُ عَلَيْهِ لَا تُعَدُّ سَلَفًا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَلَا التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ (قَوْلُهُ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ) أَيْ، وَهُوَ هُنَا الثَّمَنُ الَّذِي قَبَضَهُ الْبَائِعُ وَصَارَ فِي ذِمَّتِهِ وَقَوْلُهُ فِي مُؤَخَّرٍ أَيْ، وَهُوَ الْمَبِيعُ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ.
(قَوْلُهُ فِي مُوَاضَعَةٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً بِخِيَارٍ، وَهِيَ مِمَّنْ يَتَوَاضَعُ مِثْلُهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّقْدُ فِيهَا فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِفَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَيَانُهُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا تَمَّ بِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْخِيَارِ فَقَدْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ فِي شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ الْآنَ، وَكَذَا مَنْ بَاعَ ذَاتًا غَائِبَةً عَلَى الْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا، وَلَوْ تَطَوُّعًا حَيْثُ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا تَمَّ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ فَقَدْ فَسَخَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِع فِي شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ الْآنَ وَفَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ فِي وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَتًّا كَانَ الْمَمْنُوعُ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ النَّقْدِ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ بِالنَّقْدِ فَلَا يَضُرُّ، وَفَرْضُنَا أَنَّ الثَّمَنَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ جَازَ نَقْدُهُ، وَلَوْ بِشَرْطٍ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ، أَوْ عَلَى الْخِيَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ ضَمِنَ بِخِيَارٍ) أَيْ فِي إمْضَائِهِ وَرَدِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَدْرَ أَمَدِ الْخِيَارِ فِي الْكِرَاءِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي الدَّابَّةِ الَّتِي تُبَاعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِاخْتِبَارِ ثَمَنِهَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ (قَوْلُهُ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ، وَهِيَ الَّتِي كِرَاؤُهَا يُقَالُ لَهُ مَضْمُونٌ (قَوْلُهُ لِيَرْكَبَهَا) أَيْ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ، وَلَوْ تَطَوُّعًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ إذَا عَقَدَهُ بِانْقِضَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ فَقَدْ فَسَخَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute