وَإِنَّمَا مُنِعَ فِي الْكِرَاءِ بِالْخِيَارِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا وَجَازَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ فِي النَّقْدِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ وَهَذَا إنَّمَا يُؤَثِّرُ مَعَ الشَّرْطِ، وَأَمَّا فِي الْكِرَاءِ بِالْخِيَارِ فَاللَّازِمُ فِيهِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي النَّقْدِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا (وَ) فِي (سَلَّمَ بِخِيَارٍ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرْ إنْ لَمْ يُنْقَدْ فَقَوْلُهُ بِخِيَارٍ رَاجِعٍ لِلْأَرْبَعِ. .
[دَرْسٌ] (وَاسْتَبَدَّ) أَيْ اسْتَقَلَّ (بَائِعٌ) بَاعَ (أَوْ مُشْتَرٍ) اشْتَرَى (عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ) أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ فِي أَخْذِهَا وَرَدِّهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَمْرُهُ عَلَى مَشُورَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ (لَا) إنْ بَاعَ، أَوْ اشْتَرَى (عَلَى خِيَارِهِ) ، أَوْ الْغَيْرِ (وَرِضَاهُ) فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِنَفْسِهِ دُونَ مَنْ شُرِطَ لَهُ الْخِيَارُ، أَوْ الرِّضَا؛ لِأَنَّ مَنْ شَرَطَ الْخِيَارَ، أَوْ الرِّضَا لِلْغَيْرِ مُعْرِضٌ عَنْ نَظَرِ نَفْسِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مُشْتَرِطِ الْمَشُورَةِ فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ مَا يُقَوِّي نَظَرَهُ (وَتُؤُوِّلَتْ أَيْضًا عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الِاسْتِبْدَادِ (فِي مُشْتَرٍ) اشْتَرَى عَلَى خِيَارِ غَيْرِهِ، أَوْ رِضَاهُ دُونَ الْبَائِعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ فِيهِمَا كَالْمَشُورَةِ (وَ) تُؤُوِّلَتْ أَيْضًا (عَلَى نَفْيِهِ) فِيهِمَا (فِي الْخِيَارِ) دُونَ الرِّضَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِبْدَادُ كَالْمَشُورَةِ (وَ) تُؤُوِّلَتْ أَيْضًا (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْمَجْعُولَ لَهُ الْخِيَارُ وَالرِّضَا (كَالْوَكِيلِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا فَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا بِإِمْضَاءٍ، أَوْ رَدٍّ اُعْتُبِرَ فِعْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَالثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى رَافِعِ الْخِيَارِ مِنْ الْفِعْلِ بِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْمُكْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي فِي شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ الْآنَ بَلْ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ بِخِيَارٍ) أَيْ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ شَيْئًا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فِي شَيْءٍ بِخِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّقْدُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ؛ لِأَنَّ مَا تَعَجَّلَ مِنْ النَّقْدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ سَلَفَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ ثَمَنًا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ وَانْبِرَامِهِ فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ فَقَدْ فَسَخَ الْمُسْلِمُ مَا لَهُسَّ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي بَابِ السَّلَمِ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ) أَيْ السَّلَمُ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ أَيْ لِمَا يُؤَخَّرُ إلَيْهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ أَيْ إنْ انْتَفَى النَّقْدُ بِشَرْطٍ وَتَطَوُّعًا، فَإِنْ حَصَلَ نَقْدٌ مُطْلَقًا فَسَدَ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا. .
(قَوْلُهُ وَاسْتَبَدَّ بَائِعٌ) مُتَعَلِّقُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ اسْتَقَلَّ بَائِعٌ بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ إذَا بَاعَ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ وَاحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا، أَوْ اسْتَقَلَّ مُشْتَرٍ بِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ إذَا اشْتَرَى عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ يَسْتَقِلُّ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِمَا فَأَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً، أَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ كَزَيْدٍ، ثُمَّ أَرَادَ الْبَائِعُ، أَوْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُبْرِمَ الْبَيْعَ، أَوْ يَرُدَّهُ دُونَ مَشُورَةِ زَيْدٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِذَلِكَ وَلَا يَفْتَقِرُ فِي إبْرَامِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ إلَى مَشُورَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُشَاوَرَةِ الْمُوَافَقَةُ لِخَبَرِ «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ» وَقَوْلُهُ عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الثَّمَنَ وَالْمُثَمَّنَ مَعْلُومَانِ كَأَشْتَرِي مِنْك سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا، وَكَذَا عَلَى مَشُورَةِ فُلَانٍ وَمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ حُكْمِ غَيْرِهِ، أَوْ رِضَاهُ أَيْ فِي الثَّمَنِ فَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَعْلُومًا فَلَا مُنَافَاةَ، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ بَاعَ، أَوْ اشْتَرَى عَلَى مَشُورَةِ غَيْرِهِ فَلَهُ الِاسْتِبْدَادُ هَذَا فِي الْمَشُورَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَى مَشُورَتِهِ إنْ شَاءَ أَمْضَى، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ فَكَالْخِيَارِ وَالرِّضَا لَيْسَ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْبَيْعِ عَلَى إمْضَاءِ فُلَانٍ اُنْظُرْ خش.
(قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا فُلَانٍ، أَوْ اخْتِيَارِهِ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ (قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِهِ فِيهِمَا) أَيْ عَلَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْخِيَارِ أَيْ فِيمَا إذَا بَاعَ عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ، أَوْ اشْتَرَى عَلَى خِيَارِهِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَى) فَإِذَا قَالَ بِعْت بِكَذَا عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ، أَوْ رِضَاهُ، أَوْ اشْتَرَيْت بِكَذَا عَلَى خِيَارِ فُلَانٍ، أَوْ رِضَاهُ فَفُلَانٌ هَذَا كَالْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ إلَخْ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى خِيَارِ فُلَانِ، أَوْ رِضَاهُ، أَوْ بَاعَ سِلْعَةً عَلَى خِيَارِهِ، أَوْ رِضَاهُ فَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا، أَوْ مُشْتَرِيًا، وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا خِيَارُهُ، أَوْ رِضَاهُ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِإِبْرَامِ الْبَيْعِ، أَوْ رَدِّهِ بَائِعًا كَانَ، أَوْ مُشْتَرِيًا مَا لَمْ يَسْبِقْهُ فُلَانٌ لِغَيْرِ مَا حَصَلَ مِنْهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ الِاسْتِقْلَالُ إنْ كَانَ بَائِعًا فِي الْخِيَارِ وَالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ لَا فِي الْخِيَارِ وَلَا فِي الرِّضَا، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ فِي الرِّضَا بَائِعًا كَانَ، أَوْ مُشْتَرِيًا وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ فِي الْخِيَارِ بَائِعًا كَانَ، أَوْ مُشْتَرِيًا.
(قَوْلُهُ إلَى رَافِعِ الْخِيَارِ إلَخْ) الْحَاصِلُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الْمُشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا يَرْتَفِعُ إمَّا بِقَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ فَأَشَارَ هُنَا لِمَا يَرْفَعُهُ مِنْ الْفِعْلِ وَسَيَأْتِي يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَرْفَعُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute