وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ أَيْضًا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي كِلَا وَجْهَيْ بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ وَقَبْضِهِ فِي دَيْنِهِ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فَقَبْضُهُ كَلَا قَبْضٍ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ ثِنْتَانِ فِي وَكِيلِ الْبَيْعِ وَثِنْتَانِ فِي وَكِيلِ الشِّرَاءِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ مِنْ نَفْسِهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ (كَوَصِيٍّ لِيَتِيمَيْهِ) وَوَالِدٍ لِوَلَدَيْهِ الصَّغِيرَيْنِ وَسَيِّدٍ لِعَبْدَيْهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ طَعَامِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، ثُمَّ بَيْعُهُ عَلَيْهِ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ قَبْضِهِ لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ وَأَخْذٍ بِكَيْلٍ بِقَوْلِهِ (وَجَازَ بِالْعَقْدِ) أَيْ بِمُجَرَّدِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ (جُزَافٍ) أَيْ بَيْعِ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ جُزَافًا قَبْلَ قَبْضِهِ وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ الْمُعَاوَضَةِ بِقَوْلِهِ (وَكَصَدَقَةٍ) وَهِبَةٍ لِغَيْرِ ثَوَابٍ بِطَعَامٍ، وَلَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِشَخْصٍ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. .
(وَ) جَازَ لِلسَّيِّدِ (بَيْعُ مَا) أَيْ طَعَامٍ (عَلَى مُكَاتَبٍ) كَاتَبَهُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُكَاتَبُ أَيْ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ بِعَيْنٍ، أَوْ عَرَضٍ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا (وَهَلْ) مَحَلُّ الْجَوَازِ (إنْ عَجَّلَ الْعِتْقَ) لِلْمُكَاتَبِ بِأَنْ يَبِيعَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ، أَوْ بَعْضَهَا وَيُعَجِّلَ الْعِتْقَ عَلَى بَقَاءِ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِكُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ أَمَّا إذَا وَكَّلَهُ عَلَى شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ قَبَضَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ لِنَفْسِهِ وَيَدُ الْوَكِيلِ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَالْحَقُّ الْجَوَازُ فِي هَذِهِ كَمَا فِي طفى وبن، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَمَنَعَهُ مَعَ عَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْبِضَهُ) أَيْ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْبِضَ الْوَكِيلُ الطَّعَامَ لِنَفْسِهِ أَيْضًا فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَيْ الَّذِي وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِهِ، أَوْ عَلَى شِرَائِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مَنْعِ أَخْذِ الْوَكِيلِ لَهُ فِي دَيْنٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ، وَإِنْ كَانَ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ إذَا أَخَذَهُ فِي الدَّيْنِ لَكِنْ لَيْسَ هُنَا تَوَالِي عُقْدَتَيْ بَيْعٍ أَصْلًا فَلَيْسَ هَذَا مِنْ صُوَرِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَشَارِحُنَا تَبِعَ فِيمَا قَالَهُ مِنْ الْمَنْعِ التَّوْضِيحَ وَاعْتَرَضَهُ طفي بِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ قَالَ وَاسْتِدْلَالُ التَّوْضِيحِ عَلَى الْمَنْعِ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنُ الطَّعَامِ إذَا وَكَّلَهُ الْمَدِينُ عَلَى شِرَائِهِ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَهُ دَيْنُ الطَّعَامِ إذَا وَكَّلَهُ الْمَدِينُ عَلَى شِرَائِهِ وَقَبَضَهُ لِنَفْسِهِ يُتَّهَمُ عَلَى عَدَمِ الشِّرَاءِ وَأَخْذِ الثَّمَنِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قَدْ بَاعَ بِهِ الدَّيْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَيْسَتْ عِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ بَلْ اتِّهَامُهُ عَلَى بَيْعِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ ثِنْتَانِ فِي وَكِيلِ الْبَيْعِ إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ عَلَى الْبَيْعِ وَقَبَضَهُ مِنْ مُوَكِّلِهِ إمَّا أَنْ يَبِيعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَهُ فِي دَيْنٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ فَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مُوَكِّلِهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ فِي دَيْنٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ الْمَنْعُ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ فَتَأَمَّلْهُ) أَشَارَ بِهَذَا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ جَوَازِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا سِيَّمَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ تَعَبُّدِيٌّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ اتِّفَاقٌ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْجَوَازِ فَالْأَقْرَبُ مَنْعُهَا اهـ. لَكِنْ تَعَقَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَهُ الْأَقْرَبُ مَنْعُهَا بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ مِنْ الْجَوَازِ هُوَ ظَاهِرُ السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ جُزَافٌ) أَيْ جَازَ بَيْعُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ جُزَافًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا، فَإِنْ اشْتَرَاهُ عَلَى الْكَيْلِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا جُزَافًا وَلَا عَلَى الْكَيْلِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُزَافًا جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ جُزَافًا، أَوْ عَلَى الْكَيْلِ (قَوْلُهُ وَكَصَدَقَةٍ) أَيْ أَنَّ طَعَامَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْقَرْضِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ لَيْسَ مُعَاوَضًا عَلَيْهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ بْن وَيُقَيَّدُ الْجَوَازُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ اشْتَرَاهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ، وَإِلَّا فَالْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ لَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي طَعَامِ الْهِبَةِ وَالْقَرْضِ قَالَ فِي الْجَلَّابِ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا بِكَيْلٍ، ثُمَّ أَقْرَضَهُ رَجُلًا، أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، أَوْ قَضَاهُ لِرَجُلٍ عَنْ قَرْضٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ حَتَّى يَقْبِضَهُ
(قَوْلُهُ وَجَازَ لِلسَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ، أَوْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا قَالَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْ طَعَامٌ) جَعَلَ مَا وَاقِعَةً عَلَى طَعَامٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَرِينَةِ كَوْنِ الْبَحْثِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ كَاتَبَهُ بِهِ) أَيْ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا بَيْعُ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْهُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَهَلْ مَحَلُّ الْجَوَازِ إنْ عَجَّلَ الْعِتْقَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِكَوْنِهِ أَمْرًا عَظِيمًا مُحْتَرَمًا يَتَشَوَّفُ الشَّارِعُ إلَيْهِ اُغْتُفِرَ لِأَجْلِهِ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَبِيعَهُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ النُّجُومِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَ لَهُ جَمِيعَهَا خَرَجَ حُرًّا بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْعِتْقُ عَلَى صِيغَةٍ (قَوْلُهُ، أَوْ بَعْضَهَا) أَيْ، أَوْ بَاعَهُ بَعْضَ النُّجُومِ وَأَبْقَى النُّجُومَ الْبَاقِيَةَ لِأَجْلِهَا وَعَجَّلَ عِتْقَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلْعَبْدِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِكَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute