فِي النَّفَقَةِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِيهَا بِرَهْنِ الرَّهْنِ فِيهَا وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ بَلْ يَكْفِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (تَأْوِيلَانِ وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ) مِنْ مَالِهِ (عَلَى) رَهْنٍ (كَشَجَرٍ) أَوْ زَرْعٍ (خِيفَ عَلَيْهِ) التَّلَفُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَأَبَى الرَّاهِنُ مِنْهُ وَلَمْ يَأْذَنْ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَيْثُ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهُ فَاحْتِيجَ لِإِجْرَائِهِ أَوْ لِإِصْلَاحِ الْبِئْرِ (بُدِئَ) مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الْحَبِّ (بِالنَّفَقَةِ) الَّتِي صَرَفَهَا فِي ذَلِكَ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي رَهَنَ فِيهِ الشَّجَرَ أَوْ الزَّرْعَ، وَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ فِي الذِّمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ لَا بُدَّ مِنْهَا فَكَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ دَخَلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَ الرَّهْنِ رَهْنًا بِهَا كَانَ سَلَفًا مِنْهُ لِلرَّاهِنِ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ.
وَلَمَّا كَانَ إحْيَاءُ الزَّرْعِ وَنَحْوُهُ إنَّمَا يَحْصُلُ عَنْ إنْفَاقِهِ بُدِئَ بِهِ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ أَوْ بِدُونِ عِلْمِهِ بِالنَّفَقَةِ، فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ (وَتُؤُوِّلَتْ) الْمُدَوَّنَةُ (عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ (مُطْلَقًا) كَانَ الرَّهْنُ مُشْتَرَطًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لِلْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ أَوْ مُتَطَوَّعًا بِهِ بَعْدَهُ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي الْإِنْفَاقِ، فَإِنْ أَنْفَقَ كَانَ فِي الرَّهْنِ لَا الذِّمَّةِ وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ نَشَأَ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَهَلْ هُوَ يُجْبِرُ الرَّاهِنَ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِإِحْيَاءِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ كَشَجَرٍ أَوْ لَا (وَ) تُؤُوِّلَتْ (عَلَى التَّقْيِيدِ) لِعَدَمِ جَبْرِهِ (بِالتَّطَوُّعِ) بِالرَّهْنِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) دُونَ الْمُشْتَرَطِ فِي الْعَقْدِ فَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ عَقَارِهِ، وَعَلَيْهِ فَإِنْ أَنْفَقَ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَهَلْ كَذَا أَوْ كَذَا تَأْوِيلَانِ إشَارَةً إلَى رُجْحَانِ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ ضَمَانِ الرَّهْنِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بِقَوْلِهِ (وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إنْ كَانَ بِيَدِهِ) لَا بِيَدِ أَمِينٍ (وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ) كَحُلِيٍّ وَسِلَاحٍ وَثِيَابٍ وَكُتُبٍ مِنْ كُلِّ مَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ وَكَتْمُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَقَعَ خِلَافٌ هَلْ الرَّهْنُ يَحْتَاجُ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ أَوْ لَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالثَّانِي قَوْلُ أَشْهَبَ فَإِذَا دَفَعَ الْمَدِينُ لِرَبِّ الدَّيْنِ سِلْعَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ أَمْسِكْهَا حَتَّى أَدْفَعَ لَك حَقَّك كَانَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ رَهْنًا عِنْدَ أَشْهَبَ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِمَا يَتَفَرَّعُ التَّأْوِيلَانِ السَّابِقَانِ فِي النَّفَقَةِ إذَا قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْفِقْ وَنَفَقَتُك فِي الرَّهْنِ فَمَنْ قَالَ إنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا فِي النَّفَقَةِ بَلْ فِي الدَّيْنِ فَقَدْ رَاعَى قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِافْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرِّحٍ بِهِ وَمَنْ قَالَ لَا يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا فِي الدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ مَعًا فَقَدْ رَاعَى قَوْلَ أَشْهَبَ بِعَدَمِ افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرِّحٍ بِهِ وَالْمُصَنِّفُ قَدْ عَكَسَ فِي الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ فِي النَّفَقَةِ مُفَرَّعَانِ فِي الْوَاقِعِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَا الْعَكْسِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَفِي افْتِقَارِ إلَخْ لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّفْرِيعِ أَيْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ؛ لِأَنَّ فِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرِّحٍ بِهِ وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ لِذَلِكَ قَوْلَيْنِ فَالتَّأْوِيلَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَفَرَّعَ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ إلَخْ لَا يَظْهَرُ وَتَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ثَانِيًا تَأْوِيلَانِ صَوَابُهُ قَوْلَانِ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ (قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ) أَيْ فِي كَوْنِ الرَّهْنِ رَهْنًا فِي النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ افْتِقَارِهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الرَّهْنِ رَهْنًا فِي النَّفَقَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ رَهْنًا فِيهَا (قَوْلُهُ مِنْ مَالِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ قَدْ تَدَايَنَهُ لِيُوَفِّيَهُ (قَوْلُهُ خِيفَ عَلَيْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ هُنَا الظَّنُّ فَمَا فَوْقَهُ وَمَفْهُومُ خِيفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ إذَا تُرِكَ لَانْبَغَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ) أَيْ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِ الرَّاهِنِ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ (قَوْلُهُ عَلَى الدَّيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بُدِئَ أَيْ بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي ذَلِكَ الرَّهْنِ، فَإِنْ زَادَتْ النَّفَقَةُ عَلَى قِيمَتِهِ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ) أَيْ لِشِبْهِهِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَحْوِ السُّكْنَى فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بُدِئَ بِهِ عَلَى دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ عبق مَعْنَى التَّبْدِئَةِ بِمَا أَنْفَقَ أَنَّ مَا أَنْفَقَهُ يَكُونُ فِي ثَمَنِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَفِي رِقَابِ النَّخْلِ، فَإِنْ سَاوَى مَا ذُكِرَ لِلنَّفَقَةِ أَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ قَصَرَ ذَلِكَ عَنْ نَفَقَتِهِ لَمْ يَتْبَعْ الرَّاهِنَ بِالزَّائِدِ وَضَاعَ عَلَيْهِ وَكَانَ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَعَلِّقِ إنْفَاقُهُ فِيهَا بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهِ بُدِئَ بِهَا فِي دَيْنِهِ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ.
(قَوْلُهُ عَلَى الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ) أَيْ الْمَرْهُونَيْنِ وَخِيفَ عَلَيْهِمَا الْفَسَادُ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتُؤُوِّلَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ) أَيْ فَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ مُتَطَوَّعًا بِهِ فَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنُ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ أَنْفَقَ كَانَتْ النَّفَقَةُ فِي الرَّهْنِ لَا فِي الذِّمَّةِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّهْنُ مُشْتَرَطًا فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَأَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الرَّهْنِ.
(قَوْلُهُ وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ) أَيْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا إنْ ادَّعَى تَلَفَهُ أَوْ ضَيَاعَهُ أَوْ رَدَّهُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الضَّيَاعِ أَوْ يَوْمَ الِارْتِهَانِ؟ قَوْلَانِ وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا ظَهَرَ عِنْدَهُ يَوْمَ ادَّعَى التَّلَفَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ حَتَّى ضَاعَ اهـ بْن نَقْلًا عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا بِيَدِ أَمِينٍ) أَيْ وَإِلَّا كَانَ الضَّمَانُ مِنْ الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ إلَخْ وَذَلِكَ كَالسَّفِينَةِ وَقْتَ جَرْيِهَا رُهِنَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ آلَتِهَا، وَأَمَّا آلَتُهَا فَهِيَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا رُهِنَتْ وَقْتَ جَرْيِ السَّفِينَةِ أَوْ رَاسِيَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute