للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَبِهِ بِأَنْ لَا يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُهُ (وَعُجِّلَ) فَإِنْ اُشْتُرِطَ تَأْخِيرُهُ فَسَدَ وَلَوْ عُجِّلَ وَكَذَا إذَا أُخِّرَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّأْخِيرُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ وَمَثَّلَ لِقَوْلِهِ وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ بِقَوْلِهِ (كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ) وَاحِدٍ صُولِحَ بِهَا (عَنْ مِائَتَيْهِمَا) أَيْ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ ادَّعَى بِهِمَا فَأَقَرَّ بِهِمَا فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا وَسَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ الدِّرْهَمَ نَقْدًا أَوْ أَخَّرَهُ بِهِ وَكَذَا الْمِائَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُبَايَعَةَ هُنَا وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاءٌ لِلْبَعْضِ وَهِبَةٌ لِلْبَاقِي وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ إنْ صَالَحَ بِمُعَجَّلٍ مُطْلَقًا أَوْ مُؤَجَّلٍ وَالصُّلْحُ عَلَى إقْرَارٍ لَا عَلَى إنْكَارٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ

(و) جَازَ الصُّلْحُ بِمَالٍ (عَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) أَيْ عَنْهُ أَيْ يَجُوزُ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ وَيُعَدُّ ذَلِكَ الِافْتِدَاءُ صُلْحًا (أَوْ السُّكُوتِ) أَيْ جَازَ الصُّلْحُ عَنْ مُقْتَضَى السُّكُوتِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ تَعْزِيرٍ كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَسَكَتَ ثُمَّ دَفَعَ لَهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الدَّعْوَى وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ الْآتِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِثْلَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُمَا فَأُعْطِيَ حُكْمَهُمَا فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ فَسَكَتَ فَصَالَحَهُ عَلَى دِرْهَمٍ مُؤَخَّرٍ لَمْ يَجُزْ بِالنَّظَرِ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِهِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِإِرْدَبٍّ مِنْ قَرْضٍ فَسَكَتَ فَصَالَحَهُ بِدِينَارٍ لَمْ يَجُزْ بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إقْرَارِهِ وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ

(أَوْ) الصُّلْحُ عَلَى (الْإِنْكَارِ) أَيْ يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرُ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

حَيْثُ قَالَ يَنْفَسِخُ إنْ أُدْرِكَ بِحَدَثَانِ قَبْضِهِ، وَيَنْفُذُ مَعَ الطُّولِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ صَالَحَهُ عَنْ دَيْنٍ بِثَمَرَةِ حَائِطٍ مُعَيَّنَةٍ قَدْ أَزْهَتْ وَاشْتَرَطَ أَخْذَهَا تَمْرًا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ إنَّهُ سَلَمٌ فَاسِدٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الصُّلْحُ مَمْنُوعًا وَقِيلَ إنَّهُ بَيْعٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الصُّلْحُ جَائِزًا وَأَمَّا الصُّلْحُ بِمَكْرُوهٍ فَهُوَ نَافِذٌ اتِّفَاقًا أُدْرِكَ بِحَدَثَانِ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَ طُولٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ) حُلُولُهُ بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُدَّعَى بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَعُجِّلَ) أَيْ الْمُصَالِحُ بِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ تَأَمَّلْ ثُمَّ إنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ وَالتَّعْجِيلِ فِي صُلْحِهِ عَنْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ وَعَنْ وَرِقٍ بِمِثْلِهِ كَصُلْحِهِ عَنْ مِائَةٍ بِخَمْسِينَ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَإِلَّا كَانَ فِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا فَالسَّلَفُ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْ أَجَّلَ مَا عَجَّلَ عُدَّ مُسَلِّفًا وَالنَّفْعُ لِلْمُدَّعِي بِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: ادَّعَى بِهِمَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِمَا حَالَّيْنِ وَأَمَّا لَوْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ مُنِعَ الصُّلْحُ بِالْمِائَةِ دِينَارٍ وَالدِّرْهَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ وَتُعَجَّلْ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ عَنْ إنْكَارٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ) أَيْ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤَدِّي لِسَلَفٍ مِنْ الْمُدَّعِي جَرَّ نَفْعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ وَالدِّرْهَمِ الْمَأْخُوذَيْنِ صُلْحًا مُؤَجَّلَانِ وَتَأْجِيلُهُمَا عَيْنُ السَّلَفِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ حَالٌّ وَقَدْ انْتَفَعَ هُوَ بِسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

. (قَوْلُهُ: أَيْ يَجُوزُ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ الْيَمِينُ لَا الِافْتِدَاءُ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُصَالَحِ عَنْهُ وَهِيَ بِمَعْنَى عَنْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ) رَدَّ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيِّ فِي قَوْلِهِ إنْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ وَجَبَتْ الْيَمِينُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ فِيهِ إذْلَالَ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ» وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إضَاعَةَ الْمَالِ وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لِلْغَيْرِ وَمِنْهَا أَنْ فِيهِ إطْعَامَ مَا لَا يَحِلُّ وَرُدَّ بِأَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَتَرْكَ الْخِصَامِ عِزٌّ لَا إذْلَالٌ وَحِينَئِذٍ فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ لَيْسَ إضَاعَةً لَهُ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ وَأَمَّا أَكْلُ الْغَيْرِ الْحَرَامَ فَلَا سَبِيلَ عَلَى الْمَظْلُومِ فِيهِ {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: ٤٢] الْآيَةَ اهـ وَجَعَلَ الشَّارِحُ بَهْرَامُ مَا قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ تَقْيِيدًا وَجَزَمَ بِهِ فِي شَامِلِهِ قَالَ ح هُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَمْ أَرَ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَلَمْ أَرَ إلَّا مَا يُقَوِّيهِ اهـ بْن (قَوْلُهُ أَوْ السُّكُوتُ) كَأَنْ تَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَيَسْكُتَ ثُمَّ يُصَالِحَك بِشَيْءٍ عَمَّا يَقْتَضِيهِ السُّكُوتُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ حَبْسٍ وَتَعْزِيرٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يُنْكِرَ فَيُعَامَلَ بِمُقْتَضَى كُلٍّ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: كَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ) أَيْ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ فِي الْإِقْرَارِ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِنْكَارِ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مُقَابِلُ الرَّاجِحِ وَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ شَهَرَ الْفَاكِهَانِيُّ مَا قَالَهُ عِيَاضٌ مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ فَقَطْ مِنْ اعْتِبَارِ حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِمَا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ مَا اُعْتُبِرَ فِي الْإِنْكَارِ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ قَالَ طفى وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَالْإِنْكَارِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ يُمْنَعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اُنْظُرْ بْن.

(قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ وَقَوْلُهُ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْإِنْكَارِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ مُؤَجَّلَةً لِأَنَّهُ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ.

(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لِاحْتِمَالِ إنْكَارِهِ) أَيْ وَالدَّرَاهِمُ إنَّمَا دَفَعَهَا افْتِدَاءً عَنْ يَمِينِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ الصَّرْفُ الْمُؤَخَّرُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَيْضًا إقْرَارُهُ وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا إنَّهُ يُعْطَى حُكْمَهُمَا فَالْحَقُّ الْمَنْعُ حَتَّى بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ) أَيْ فَفِيهِ بَيْعُ الطَّعَامِ مِنْ بَيْعٍ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>