وَإِلَّا فَحَلَالٌ وَيُشْتَرَطُ لِلصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ يَمِينٍ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَشَارَ لِاثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ (إنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ) مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِلثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (و) جَازَ (عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ) الشَّرْعِيِّ بِأَنْ لَا تَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ لَا تُتَّفَقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ مِثَالُ الْمُسْتَوْفِي لِلثَّلَاثَةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشْرَةٍ حَالَّةٍ فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَوْ بِعَرَضٍ حَالٍّ وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أَنْ يَدَّعِيَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَيُصَالِحُهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهَا إلَى شَهْرٍ أَوْ عَلَى خَمْسِينَ مُؤَخَّرَةٍ لِشَهْرٍ فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ صَاحِبَهُ أَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْبَعْضَ وَأَخَّرَهُ لِشَهْرٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ أَدَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْإِنْكَارِ بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلِفِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
بِالنَّظَرِ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ بَيْعُ طَعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ جَائِزٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ إقْرَارِهِ وَأَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا إذَا نَزَّلْنَا السُّكُوتَ مَنْزِلَةَ الْإِقْرَارِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِلْمُدَّعِي وَطَعَامُ الْقَرْضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ مَنْزِلَةَ الْإِنْكَارِ كَمَا قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَاعْتُبِرَ فِيهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فَلَا دَعْوَى لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلَا مَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ احْتِمَالِ إقْرَارِهِ بِأَنَّهَا مِنْ بَيْعٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَجْوِيزٍ عَقْلِيٍّ كَالْوَسْوَسَةِ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ حُكْمٌ فَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ فَالشَّرْطُ فِي الصُّلْحِ أَنْ يَجُوزَ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ عَلَى دَعْوَاهُ مُنِعَ اُنْظُرْ بْن
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَحَلَالٌ) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ الصَّادِقُ فِي الْوَاقِعِ الْمُنْكِرَ بَلْ الْمُدَّعِيَ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُنْكِرِ حَلَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ لِلصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ أَوْ الْإِنْكَارِ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا لِابْنِ مُحْرِزٍ مِنْ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى السُّكُوتِ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ يَمِينٍ) أَيْ وَحِينَئِذٍ فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ وُقُوعُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَقِبَهَا وَإِعَادَةُ الْجَارِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ الِافْتِدَاءَ مِنْ الْيَمِينِ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْإِنْكَارِ كَمَا قَالَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الصُّلْحَ تَارَةً يُلَاحَظُ فِي نَظِيرِ أَصْلِ الدَّعْوَى وَتَارَةً يُلَاحَظُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَعَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ فَالْمُشْتَرَطُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ إنْ جَازَ) أَيْ الصُّلْحُ وَقَوْلُهُ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ أَيْ عَلَى مُقْتَضَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ قُلْت إنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْ السُّكُوتِ وَفِي السُّكُوتِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابٌ وَفِي الْإِنْكَارِ إذَا أَجَابَ بِغَيْرِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ كَانَ إقْرَارًا لَا دَعْوَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَوَازِهِ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ عِنْدِي مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيَّ وَأَجَابَ بِغَيْرِهِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ لَوْ أَجَابَ لَأَجَابَ بِغَيْرِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَةُ هَذَا دَعْوَى مَجَازٌ إذْ هُوَ إقْرَارٌ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ خِطَابَ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا قَالَ عبق إذْ لَا مَعْنَى لِهَذَا لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَنَقُولُ إنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ الْجَوَازُ صَارَ الشَّرْطُ جَوَازَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْجَوَازِ وَلَا مَعْنَى لَهُ وَإِنْ فَرَضْنَاهُ غَيْرَهُ فَلَا مَعْنَى لَهُ أَيْضًا إذْ لَا يَكُونُ الْجَوَازُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَنْعِ مَثَلًا بَلْ الْمُرَادُ بِظَاهِرِ الْحُكْمِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ فِي قَوْلِنَا: تُهْمَةُ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ: تُهْمَةُ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الصُّلْحِ جَائِزًا عَلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصُّلْحُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ظَهَرَتْ لَنَا الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمَنْعِ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَأَصْبَغَ) أَيْ وَاعْتَبَرَ أَصْبَغُ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَوْ بِعَرَضٍ حَالٍّ) فَالصُّلْحُ جَائِزٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْحَالَّةَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ حَالَّةٍ أَقَلَّ مِنْهَا عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الْحَالَّةِ بِالْعَرَضِ الْحَالِّ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَكَذَلِكَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ عَلَيْهِ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ هِبَةُ الْبَعْضِ وَأَخْذُ الْبَاقِي أَوْ أَقَرَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّ مَا دَفَعَهُ فِدَاءً عَنْ الْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَدَّعِيَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ) أَيْ فَيُنْكِرَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ يَسْكُتَ فَيُصَالِحَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ سُقُوطُ الْيَمِينِ أَيْ عَنْ الْمُدَّعِي وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهِ عَلَى دَعْوَاهُمَا جَوَازُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ بَلْ قَدْ يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ أَوْ حَلِفِهِ) عَطْفٌ عَلَى الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ فَيَسْقُطُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْحَلِفِ وَهَذَا تَنْوِيعٌ فِي الْمَنْفَعَةِ الْعَائِدَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَضَمِيرُ حَلِفِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْنِي لَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَسَقَطَ دَيْنُ الْمُدَّعَى عَنْهُ فَتَأْخِيرُ الْمُدَّعِي لَهُ