حَيْثُ يَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ فَيَمْتَنِعُ صُلْحُهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ مِنْ عِنْدِ الْغَاصِبِ نَقْدًا إنْ كَانَ الدَّيْنُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ كَانَ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ فَصَالَحَهَا الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَجَّلَهَا لَهَا مِنْ عِنْدِهِ جَازَ إذَا كَانَ الْغُرَمَاءُ حُضُورًا مُقِرِّينَ وَهُمْ مِمَّنْ تَأْخُذُهُمْ الْأَحْكَامُ وَهَذَا يَجْرِي فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمُصَالَحَةِ مِنْ غَيْرِهَا
وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى صُلْحِ الْأَمْوَالِ انْتَقَلَ لِلْكَلَامِ عَلَى صُلْحِ الدِّمَاءِ فَقَالَ (و) جَازَ الصُّلْحُ (عَنْ) دَمِ (الْعَمْدِ) نَفْسٍ أَوْ جُرْحٍ (بِمَا قَلَّ) عَنْ الدِّيَةِ (وَكَثُرَ) عَنْهَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ لَا دِيَةَ لَهُ (لَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى (غَرَرٍ) دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ (كَرَطْلٍ) أَوْ أَرْطَالٍ (مِنْ) لَحْمِ (شَاةٍ) صَالَحَ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ وَهِيَ حَيَّةٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ قَبْلَ السَّلْخِ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنْ سُلِخَتْ جَازَ كَمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِهَا حَيَّةً أَوْ مَذْبُوحَةً قَبْلَ السَّلْخِ وَمِنْ الْغَرَرِ ثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بِالْغَرَرِ ارْتَفَعَ الْقِصَاصُ وَقُضِيَ بِدِيَةِ عَمْدٍ (وَلِذِي دَيْنٍ) مُحِيطٍ (مَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ الْمَدِينِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الصُّلْحِ بِمَالٍ لِإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ عَلَى مَا لَمْ يُعَامِلْهُ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ كَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ
وَلَمَّا كَانَ الصُّلْحُ كَالْبَيْعِ يَعْتَرِيهِ الْعَيْبُ وَالِاسْتِحْقَاقُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مِنْهُ مَا يُوَافِقُ الْبَيْعَ وَمَا يُخَالِفُهُ فَمِمَّا يَتَخَالَفَانِ فِيهِ قَوْلُهُ (وَإِنْ رُدَّ) فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْخَطَأِ عَلَى إنْكَارِ مُصَالَحٍ بِهِ (مُقَوَّمٌ) مُعَيَّنٌ كَعَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ صُولِحَ بِهِ (بِعَيْبٍ أَوْ اُسْتُحِقَّ) أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ (رُجِعَ) الْمُصَالَحُ عَلَى دَافِعِهِ (بِقِيمَتِهِ) يَوْمَ الصُّلْحِ بِهِ سَلِيمًا صَحِيحًا لَا بِمَا صُولِحَ عَنْهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَقَوْلُهُ يَجُوزُ أَيْ الصُّلْحُ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَجُوزُ أَيْ بَيْعُ الدَّيْنِ وَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَيْنًا وَلَا طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ بِأَنَّ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ وَكَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا مُقِرًّا تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَقَوْلُهُ وَيَمْتَنِعُ أَيْ الصُّلْحُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَدِينُ أَوْ حَضَرَ وَلَمْ يُقِرَّ أَوْ لَمْ تَأْخُذْهُ الْأَحْكَامُ.
(قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ تَقْدِيرًا وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ) أَيْ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّ التَّرِكَةَ دَرَاهِمُ وَعُرُوضٌ وَالدَّيْنَ حَيَوَانٌ أَوْ عَرَضٌ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَالَّةٍ وَفِيهِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ حَيَوَانٌ أَوْ عَرَضٌ وَالتَّرِكَةَ كُلَّهَا عُرُوضٌ فَيَجُوزُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِنْ كَانَ هَذَا خِلَافَ السِّيَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ) أَيْ لَا مِنْ بَيْعٍ فَيُمْنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَجْرِي إلَخْ) الْمُشَارُ إلَيْهِ مُرَاعَاةُ بَيْعِ الدَّيْنِ أَيْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ مُرَاعَاةِ بَيْعِ الدَّيْنِ جَوَازًا وَمَنْعًا يَجْرِي فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمُصَالَحَةِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ
. (قَوْلُهُ: وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الصُّلْحِ عَمَّا ذَكَرَ وَلَوْ قَبْلَ ثُبُوتِ الدَّمِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: بِمَا قَلَّ عَنْ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَةِ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ دَمَ الْعَبْدِ لَا دِيَةَ لَهُ أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ لَا غَرَرٍ) عَطْفٌ عَلَى مَا يُفِيدُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ جَازَ الصُّلْحُ بِمَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ لَا بِغَرَرٍ أَوْ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَا مِنْ قَوْلِهِ بِمَا قَلَّ وَنَبَّهَ عَلَى مَنْعِ الصُّلْحِ بِالْغَرَرِ لِأَنَّ دَمَ الْعَمْدِ لَمَّا كَانَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْهُ مَجَّانًا رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُ الصُّلْحِ عَنْهُ بِالْغَرَرِ فَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ وَغَيْرُ دَمِ الْعَمْدِ يُفْهَمُ الْمَنْعُ فِيهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: عَلَى غَرَرٍ) عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ بِذِي غَرَرٍ.
(قَوْلُهُ: دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ) تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَى غَرَرٍ.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ) نَصُّهَا وَإِذَا ادَّعَيْت عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ فَصَالَحَك عَنْهُ بِعَشْرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ لَحْمِ شَاةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ لَمْ يَجُزْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ وَهِيَ حَيَّةٌ بَلْ لَوْ كَانَتْ مَذْبُوحَةً غَيْرَ مَسْلُوخَةٍ فَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ) أَيْ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَقَوْلُهُ بِالْغَرَرِ أَيْ كَرَطْلٍ مِنْ شَاةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا (فَرْعٌ) لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَرْتَحِلَ الْقَاتِلُ مِنْ بَلَدِ الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ وَلِصَاحِبِ الدَّمِ يَقُومُ بِالْقِصَاصِ وَلَوْ ارْتَحَلَ الْجَانِي وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَجُوزُ وَيَحْكُمُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ أَبَدًا كَمَا شَرَطُوهُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ سَحْنُونٌ وَعَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلْ الْقَاتِلُ أَوْ عَادَ وَكَانَ الدَّمُ قَدْ ثَبَتَ كَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتُ كَانَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْعَوْدُ لِلْخِصَامِ وَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ قَاطِعًا لِخِصَامِهِمْ لِانْتِقَاضِهِ.
(قَوْلُهُ: لِإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنْ نَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالصُّلْحِ أَيْ أَنَّ مَنْ يُصَالِحُ بِمَالٍ لِأَجْلِ إسْقَاطِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ) عِلَّةٌ لِمَنْعِهِ مِنْ الصُّلْحِ بِالْمَالِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ إلَخْ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فِي شَيْءٍ لَمَّا يُعَامِلْهُ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ نَفْسَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَمْ يُعَامِلُوهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فِي صَوْنِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَتَزْوِيجِهِ وَإِيلَادِ أَمَتِهِ لِأَنَّ الْغُرَمَاءَ عَامَلُوهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا عَامَلُوهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ
. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ أَوْ حِصَّةٍ فِي دَارٍ مُعَيَّنَةٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ) أَيْ أَوْ أُخِذَ مِنْ يَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِشُفْعَةٍ كَمَا لَوْ جَنَى إنْسَانٌ جِنَايَةً عَلَى زَيْدٍ وَصَالَحَهُ بِشِقْصٍ