(لَا لَهُ) أَيْ الْقَاطِعِ (رَدُّهُ) أَيْ الصُّلْحِ أَيْ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ (وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ) أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا كَانَ عَنْ قَطْعٍ فَكَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّهُ نَفْسٌ وَإِنَّمَا قَسَّمُوا لِتَرَاخِي الْمَوْتِ عَنْ الْجُرْحِ وَلَهُمْ الرِّضَا بِمَا صَالَحَ بِهِ الْمَقْطُوعُ (كَأَخْذِهِمْ) أَيْ أَوْلِيَاءِ الْمَجْرُوحِ (الدِّيَةَ فِي) جِنَايَةِ (الْخَطَإِ) أَيْ كَمَا لَوْ صُولِحَ الْمَجْرُوحُ خَطَأً ثُمَّ نَزَا فَمَاتَ فَإِنَّ لِلْوَرَثَةِ رَدَّ الصُّلْحِ وَيُقْسِمُونَ وَيَأْخُذُونَ الدِّيَةَ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَيَرْجِعُ الْجَانِي الْمُصَالِحُ بِمَا دَفَعَ مِنْ مَالِهِ وَيَكُونُ فِي الْعَقْدِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَهُمْ تَرْكُ الْقَسَامَةِ وَأَخْذُ الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ
(وَإِنْ وَجَبَ) أَيْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ (لِمَرِيضٍ) وَلَوْ مَرَضًا مَخُوفًا (عَلَى رَجُلٍ) مَثَلًا (جُرْحٌ عَمْدًا) طَرَأَ عَلَى الْمَرَضِ وَأَمَّا طُرُوُّ الْمَرَضِ عَلَى الْجُرْحِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَأَنَّ فِيهِ خِلَافًا (فَصَالَحَ) الْمَرِيضُ جَارِحَهُ (فِي مَرَضِهِ) بِأَرْشِهِ الْمُسَمَّى فِيهِ (أَوْ غَيْرَهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُسَمًّى أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ دِيَتِهِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ (ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ) أَيْ فِيهِ (جَازَ) الصُّلْحُ ابْتِدَاءً (وَلَزِمَ) بَعْدَ وُقُوعِهِ (وَهَلْ) الْجَوَازُ وَاللُّزُومُ (مُطْلَقًا) صَالَحَ عَنْ الْجُرْحِ فَقَطْ أَوْ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ (أَوْ) إنَّمَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ (إنْ صَالَحَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ (لَا) عَلَيْهِ وَعَلَى (مَا يَئُولُ إلَيْهِ) فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ (تَأْوِيلَانِ) أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي وَعَلَيْهِ فَإِذَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ بَطَلَ وَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَقَعْ صُلْحٌ فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْقَسَامَةُ وَالْقِصَاصُ
(وَإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ) عَمَّا فِيهِ قِصَاصٌ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ عَنْ جَمِيعِ الدَّمِ أَوْ عَنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَنُوبُهُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَقَلَّ (فَلِلْآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ) جَبْرًا فَيَأْخُذُ مَا يَنُوبُهُ وَلَوْ صَالَحَ بِقَلِيلٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ صُلْحُ الْمَجْرُوحِ عَنْ جُرْحِ الْعَمْدِ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَائِلًا إنَّ الْمَقْتُولَ إذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَاتِلِهِ مَجَّانًا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ بِالْأَوْلَى خِلَافًا لِمَا رَوَاهُ عِيسَى مِنْ الْمَنْعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْجُرْحُ مِمَّا يُقْتَصُّ مِنْ أَجْلِهِ كَقَطْعِ يَدٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمَتَالِفِ الْأَرْبَعِ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَمْدٌ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي يَوْمَ الصُّلْحِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ وَإِذَا بَرِئَ فَالْأَرْشُ وَإِنْ مَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَسَامَةٍ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَة فَفِيهِ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الْجَوَازُ إذَا كَانَ فِي الْجُرْحِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَرَّرٌ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَرْشِهِ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ قَبْلَ الْبُرْءِ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا.
(قَوْلُهُ لَا لَهُ) كَانَ الْأَوْلَى لَا لِلْقَاطِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلضَّمِيرِ مَرْجِعٌ فَكَانَ الْإِظْهَارُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَسَمُوا) أَيْ وَلَمْ يَقْتُلُوا الْجَانِيَ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ.
(قَوْلُهُ: لِتَرَاخِي إلَخْ) أَيْ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ صُولِحَ الْمَجْرُوحُ خَطَأً) أَيْ عَنْ الْجُرْحِ فَقَطْ أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْجُرْحِ خَطَأً وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ كَالْعَمْدِ.
(قَوْلُهُ وَيَقْسِمُونَ وَيَأْخُذُونَ الدِّيَةَ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَأَخْذِهِمْ الدِّيَةَ أَيْ فِي آخِرَةِ الْأَمْرِ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ كَمَا أَنَّ لِأَوْلِيَاءِ الْمَجْرُوحِ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ كَامِلَةً بَعْدَ الْقَسَامَةِ فِي جُرْحِ الْخَطَأِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ ثُمَّ نَزَا فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ جُرْحِ الْخَطَأِ وَأَمَّا الصُّلْحُ عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَوْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ عَلَى الْأَقْوَى
. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا طُرُوُّ الْمَرَضِ عَلَى الْجُرْحِ) أَيْ الْعَمْدِ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ وَقَوْلُهُ وَأَنَّ فِيهِ خِلَافًا أَيْ فَقِيلَ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي بِقَسَامَةٍ وَقِيلَ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ بِلَا قَسَامَةٍ.
(قَوْلُهُ أَيْ فِيهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مِنْ لِلظَّرْفِيَّةِ إنْ مَاتَ فِي زَمَنِ مَرَضِهِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ مَرَضِهِ لَمْ يَتَأَتَّ التَّأْوِيلَانِ مِنْ كَوْنِهِ صَالَحَ عَنْ الْجُرْحِ لَا عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ صَالَحَ عَنْهُمَا مَعًا لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يَؤُلْ لِشَيْءٍ وَعَلَى تَسْلِيمِ جَرَيَانِهِمَا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْجُرْحِ وَعَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ فَرْضُ الْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِمَادِ التَّأْوِيلِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ وَلَزِمَ) أَيْ لِأَنَّ لِلْمَرِيضِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي حَالِ مَرَضِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْهُ بِمَا شَاءَ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: تَأْوِيلَانِ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِيَاضٌ تَأَوَّلَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجُرْحِ دُونَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ النَّفْسِ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ الْقَصَّارِ عَلَى الْجُرْحِ وَمَا تَنَاهَى إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ كَمَا فِي ح وعج وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ جَازَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَزِمَ الصُّلْحُ الْوَرَثَةَ وَإِنْ نَزَا فَمَاتَ فَالْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ لِلْوَرَثَةِ رَدَّ الصُّلْحِ وَالْقَتْلَ بِقَسَامَةٍ وَلَا يُقَالُ الصُّلْحُ لَازِمٌ لِلْوَرَثَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْجُرْحِ فَقَطْ فَكَيْفَ يَلْزَمُ فِيمَا آلَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَإِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ فَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي الصُّلْحُ بَاطِلٌ وَيَعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْحُكْمِ لَوْ لَمْ يَكُنْ صُلْحٌ مِنْ أَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ الْقَسَامَةَ وَالْقِصَاصَ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ الصُّلْحُ وَإِنْ نَزَا فَمَاتَ مِنْهُ فَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ
. (قَوْلُهُ: فَيَأْخُذُ مَا يَنُوبُهُ وَلَوْ صَالَحَ بِقَلِيلٍ) وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْجَانِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ وَاَلَّذِي فِي ح مَا نَصُّهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ فِيمَا صَالَحَ بِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَاتِلِ عَلَى حَسَبِ دِيَةِ الْعَمْدِ وَيَضُمَّهُ إلَى مَا صَالَحَ بِهِ