كَكِرَائِهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَإِنْ لَمْ يَسْلَمَا مِنْ ذَلِكَ مُنِعَتْ كَكِرَائِهَا بِطَعَامٍ وَلَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَعَسَلٍ أَوْ بِمَا أَنْبَتَتْهُ وَلَوْ غَيْرَ طَعَامٍ كَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْخَشَبُ وَنَحْوُهُ فَيَجُوزُ كَمَا يَأْتِي فِي الْإِجَارَةِ وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَقَابِلُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (مُسَاوٍ) لِكِرَائِهَا غَيْرَ بَذْرٍ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ مِنْ عَمَلِ بَقَرٍ أَوْ يَدٍ وَالْمُرَادُ قَابِلُهَا مُسَاوٍ عَلَى قَدْرِ الرِّبْحِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمَا كَأَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ خَمْسِينَ وَدَخَلَا عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ الثُّلُثَيْنِ وَلِرَبِّ الْبَقَرِ وَالْعَمَلِ الثُّلُثُ أَوْ يَكُونُ أُجْرَتُهُمَا مِائَةً كَالْأَرْضِ وَدَخَلَا عَلَى النِّصْفِ فَتَجُوزُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَسَدَتْ فَمَعْنَى التَّسَاوِي أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُطَابِقًا لِلْمُخْرَجِ وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ (وَتَسَاوَيَا) فِي الرِّبْحِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ وَإِلَّا فَسَدَتْ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ.
فَإِنْ حُمِلَ مَا قَبْلِ هَذَا عَلَى الْمُقَابَلَةِ بِالنِّصْفِ أَفَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ فَسَدَتْ وَلَوْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ كُلٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنَّ شَرْطَهَا شَيْئَانِ فَقَطْ كَمَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ لَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَسْلَمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَنْ يَعْتَدِلَا فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى أَيْ يَعْتَدِلَا فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ مَا أَخْرَجَا.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الرَّابِعُ فَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (إلَّا لِتَبَرُّعٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ وَعْدٍ وَلَا عَادَةٍ (بَعْدَ) لُزُومِ (الْعَقْدِ) بِالْبَذْرِ فَيَجُوزُ وَأَشَارَ لِلشَّرْطِ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ (وَخَلْطُ بَذْرٍ إنْ كَانَ) الْمُرَادُ بِالْبَذْرِ الزَّرِيعَةُ فَيَشْمَلُ الْحَبَّ وَغَيْرَهُ كَالْقُطْنِ وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِمَا وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ أَيٌّ مِنْهُمَا مَعًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَتَأَتَّى خَلْطٌ أَيْ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْطِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْخَلْطُ (بِإِخْرَاجِهِمَا) لَهُ بِأَنْ يَحْمِلَ كُلٌّ بَذْرَهُ إلَى الْأَرْضِ وَيَبْذُرَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَمَيُّزٍ لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَتَصِحُّ الشِّرْكَةُ حَيْثُ دَخَلَا عَلَى التَّعَاوُنِ وَالشِّرْكَةِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، فَإِنْ تَمَيَّزَ بَذْرُ كُلٍّ بِجِهَةٍ فَلَا شِرْكَةَ بَيْنَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مَا أَنْبَتَهُ حَبُّهُ وَيَتَرَاجَعَانِ فِي الْأَكْرِيَةِ وَيَتَقَاصَّانِ وَرُدَّ بِالْمُبَالَغَةِ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ الْمَذْكُورِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الشُّرُوطَ اثْنَانِ فَقَطْ السَّلَامَةُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ وَالتَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ وَسَيَظْهَرُ لَك وَجْهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَكِرَائِهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) هَذَا مِثَالٌ لِلْجَائِزِ وَهُوَ السَّلَامَةُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَمْنُوعٍ (قَوْلُهُ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمَا مِنْ ذَلِكَ مُنِعَتْ) قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ مَحَلُّ مَنْعِ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا إذَا اُشْتُرِطَ الْأَخْذُ مِنْ عَيْنِ مَا يَخْرُجُ مِنْ خُصُوصِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ صَرِيحًا وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْجِنْسِ وَهِيَ فُسْحَةٌ وَفِي بْن جَوَازُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عِنْدَ الدَّاوُدِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَالْأَصِيلِيِّ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ مُنِعَتْ أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا اتِّفَاقًا.
(قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالْبُوصِ الْفَارِسِيِّ وَالْعُودِ الْقَاقُلَّى وَالصَّنْدَلِ وَالْحَلْفَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالشَّبِّ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَعَادِنِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ) أَيْ وَإِلَّا بِأَنْ دَخَلَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَوْ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ لِدُخُولِهِمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فِيهَا (قَوْلُهُ مُطَابِقًا لِلْمَخْرَجِ) أَيْ مِنْهُمَا أَيْ، فَإِنْ كَانَ الْمَخْرَجُ مِنْهُمَا مُتَسَاوِيًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُنَاصَفَةً وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ وَإِلَّا فَسَدَتْ) أَيْ وَإِلَّا يَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ فَسَدَتْ كَمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ مَا أَخْرَجَاهُ وَشَرَطَا فِي عَقْدَ الشِّرْكَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ كَانَ مَا أَخْرَجَاهُ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَشَرَطَا أَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الزَّرْعِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً (قَوْلُهُ عَلَى الْمُقَابَلَةِ بِالنِّصْفِ) أَيْ بِأَنْ قِيلَ وَقَابَلَهَا مُسَاوٍ مِنْ بَقَرٍ وَعَمَلٍ بِأَنْ يَكُونَ أُجْرَتُهُمَا قَدْرَ أُجْرَةِ الْأَرْضِ وَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ بِأَنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذَ نِصْفَهُ.
(قَوْلُهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ) أَيْ أَخْرَجَ الثُّلُثَ إلَخْ (قَوْلُهُ فَسَيَأْتِي مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ خَلْطِ الْبَذْرِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِجَعْلِ خَلْطِ الْبَذْرِ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا مَا كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا وَهَذَا خَاصٌّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ) لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ إذْ مَا كَانَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَلَوْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَدْخُولٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مُشْتَرَطٌ اهـ وَذَلِكَ بِأَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ قَدْرَ مَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ وَعَقْدًا عَلَى التَّسَاوِي فِي الْخَارِجِ وَبَذْرًا ثُمَّ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ.
(قَوْلُهُ وَخَلْطُ بَذْرٍ) عَطْفٌ عَلَى سُلَّمًا أَيْ وَشَرْطُ صِحَّتِهَا خَلْطُ بَذْرٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى هَذَا إذَا قُرِئَ خَلْطٌ مَصْدَرًا، وَأَمَّا إنْ قُرِئَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَالْعَطْفُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ كَالْقُطْنِ وَالْقَصَبِ وَنَحْوِهِمَا) أَيْ كَالْخَسِّ وَالْبَصَلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْخُضَرِ الَّتِي تُنْقَلُ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْقُطْنَ يُزْرَعُ حَبُّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُبْذَرُ بَلْ يُدْفَنُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنْ جُعِلَ قَوْلُهُ كَالْقُطْنِ رَاجِعًا لِلْحَبِّ وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعًا لِغَيْرِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى حَذْفُ الْقُطْنِ (قَوْلُهُ أَيْ مِنْهُمَا) أَشَارَ الشَّارِحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute