للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلِأَنَّ شَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ غَصْبًا وَشَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا (إلَّا أَنْ تَحْلِفَ) فِي الثَّانِيَةِ (مَعَ شَاهِدِ الْمِلْكِ) الْيَمِينَ الْمُكَمِّلَةَ لِلنِّصَابِ (وَ) تَحْلِفَ أَيْضًا (يَمِينَ الْقَضَاءِ) أَنَّك مَا بِعْتَ وَلَا وَهَبْتَ وَلَا تَصَدَّقْتَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِك بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَهُ جَمْعُهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

(وَإِنْ ادَّعَتْ) امْرَأَةٌ (اسْتِكْرَاهًا) عَلَى الزِّنَا (عَلَى) رَجُلٍ (غَيْرِ لَائِقٍ) بِهِ مَا ادَّعَتْ بِهِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ ظَاهِرَ الصَّلَاحِ (بِلَا تَعَلُّقٍ) أَيْ بِأَذْيَالِهِ (حُدَّتْ لَهُ) أَيْ لِلزِّنَا الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا أَيْ لِإِقْرَارِهَا بِالزِّنَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ لَمْ تُحَدَّ لِلزِّنَا؛ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَتُحَدُّ لِقَذْفِهِ مُطْلَقًا وَمَفْهُومُ غَيْرِ لَائِقٍ أَمْرَانِ فَاسِقٌ فَلَا حَدَّ لِقَذْفِهِ مُطْلَقًا وَلَا لِلزِّنَا إلَّا إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ وَمَجْهُولُ حَالٍ فَحَدُّ الزِّنَا كَالصَّالِحِ إنْ تَعَلَّقَتْ سَقَطَ، وَإِلَّا لَزِمَهَا وَلَا تُحَدُّ لِلْقَذْفِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَإِلَّا حُدَّتْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِغَيْرِ اللَّائِقِ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْحَالِ.

، ثُمَّ أَعْقَبَ الْغَصْبَ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ غَصْبُ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَى شَيْءٍ دُونَ قَصْدِ تَمَلُّكِ ذَاتِهِ فَقَالَ (وَالْمُتَعَدِّي جَانٍ عَلَى بَعْضٍ غَالِبًا) أَيْ بَعْضِ السِّلْعَةِ كَخَرْقِ ثَوْبٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ صَحْفَةٍ أَيْ كَسْرِ بَعْضِهَا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَدْ يَكُونُ التَّعَدِّي عَلَى جَمِيعِ السِّلْعَةِ كَحَرْقِ الثَّوْبِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ جَمِيعِ الصَّحْفَةِ وَقَتْلِ الدَّابَّةِ وَمِنْهُ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي، وَالْمُسْتَعِيرِ الْمَسَافَةَ الْمُشْتَرَطَةَ وَاسْتِعْمَالُ دَابَّةٍ مَثَلًا بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا وَرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الرُّكُوبُ، وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ دُونَ تَمَلُّكِ الذَّاتِ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لِذَلِكَ لَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي فَلْيُتَأَمَّلْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

عَلَى جَعْلِهِ ذَا يَدٍ قَالَ بْن الَّذِي كَانَ يُقَرِّرُهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّا لَا نَمْنَعُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَلَا مِنْ الْوَطْءِ إذْ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ كَوْنِهِ ذَا يَدٍ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِ قُدِّمَتْ عَلَى بَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَثْبَتَتْ لَهُ الْحَوْزَ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ اهـ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّ شَاهِدَ الْمِلْكِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ غَصْبًا) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا مِنْ التَّعْلِيلِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْغَصْبِ لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مِلْكًا؛ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْغَصْبِ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا فَتَدَبَّرْ اهـ.

بْن (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَحْلِفَ) أَيْ بِأَنَّهَا مِلْكُكَ (قَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِيهَا شَاهِدُ الْمِلْكِ فَإِذَا حَلَفْتَ مَعَهُ الْيَمِينَ الْمُكَمِّلَةَ وَيَمِينَ الْقَضَاءِ كُنْتَ حِينَئِذٍ مَالِكًا لَا حَائِزًا (قَوْلُهُ وَتَحْلِفُ أَيْضًا يَمِينَ الْقَضَاءِ) وَلَا يُكْتَفَى بِهَا عَنْ الْأُولَى، وَإِنْ كَانَتْ تَتَضَمَّنُهَا كَمَا جَزَمَ ابْنُ رُشْدٍ وَجَزَمَ اللَّخْمِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُ جَمْعُهُمَا) أَيْ وَعَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأُولَى فَلَهُ جَمْعُهُمَا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَكْفِي جَمْعُهُمَا.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا) أَيْ فَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ قَوْلِهَا لَمْ تُحَدَّ إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ حُدَّتْ وَلَا عِبْرَةَ بِرُجُوعِهَا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ تُحَدُّ لِلْقَذْفِ كَمَا فِي خش (قَوْلُهُ لَمْ تُحَدَّ لِلزِّنَا) أَيْ حَمَلَتْ أَمْ لَا (قَوْلُهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا) أَيْ وَلَا يَمِينَ لَهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَفِيفٍ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ) أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَمْ لَا، أَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَلَا تُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِلزِّنَا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا لَزِمَهَا) أَيْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَمْ لَا (قَوْلُهُ، وَإِلَّا حُدَّتْ) أَيْ، وَإِلَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ حُدَّتْ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَتْهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا صَدَاقَ لَهَا إذَا ادَّعَتْهُ عَلَى فَاسِقٍ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ فَأَوْلَى إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، وَأَوْلَى إذَا ادَّعَتْهُ عَلَى مَجْهُولِ حَالٍ، أَوْ صَالِحٍ (قَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْحَالِ) أَيْ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا عَلَيْهِ كَدَعْوَاهَا عَلَى الصَّالِحِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الزِّنَا الَّذِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ.

(قَوْلُهُ، ثُمَّ أَعْقَبَ الْغَصْبَ بِالتَّعَدِّي) أَيْ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَصَرُّفًا فِي الشَّيْءِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ (قَوْلُهُ غَالِبًا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ، وَالْمُتَعَدِّي أَيْ، وَالْمُتَعَدِّي فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ هُوَ الَّذِي يَجْنِي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ وَمِنْ التَّعَدِّي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْهُ تَعَدِّي الْمُكْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمُشْتَرَطَةَ أَيْ، وَإِنَّمَا كَانَ تَعَدِّيهَا تَعَدِّيًا عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الرُّكُوبُ، وَالِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعَدِّي كَالْجُزْءِ مِنْهَا.

وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ قَالَ الْمُتَعَدِّي هُوَ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ السِّلْعَةِ فَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَعُمُّ صُوَرَ التَّعَدِّي إذْ لَا يَشْمَلُ مَنْ اكْتَرَى، أَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ زَادَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا فَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ عَلَى كُلِّ الدَّابَّةِ لَا عَلَى بَعْضِهَا وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلُوهُ مِنْ الْمُتَعَدِّي فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ غَالِبًا لِإِدْخَالِهِمَا، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِهَذَا الْقَيْدِ لِإِدْخَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّعَدِّي إنَّمَا هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الذَّاتُ، وَالذَّاتُ تَابِعَةٌ لَا؛ لِأَنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّعَدِّي وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعَدِّي كَالْجُزْءِ مِنْهَا، نَعَمْ يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِ غَالِبًا لِإِدْخَالِ حَرْقِ الثَّوْبِ وَقَتْلِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ إذْ لَا يَشْمَلُهُمَا التَّعْرِيفُ إلَّا بِزِيَادَةٍ غَالِبًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَدِّيَ، وَالْغَصْبَ يَفْتَرِقَانِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْفَسَادَ الْيَسِيرَ مِنْ الْغَاصِبِ يُوجِبُ لِرَبِّهِ أَخْذَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ إنْ شَاءَ، وَالْفَسَادَ الْيَسِيرَ مِنْ الْمُتَعَدِّي لَيْسَ لِرَبِّهِ إلَّا أَخْذُ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ لَا يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ، وَالْغَاصِبَ يَضْمَنُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>