للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ) مُؤَجِّرٍ، وَمُسْتَأْجِرٍ كَالْبَيْعِ فَشَرْطُهُمَا التَّمْيِيزُ وَشَرْطُ اللُّزُومِ التَّكْلِيفُ فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ أَوْ سِلْعَتَهُ صَحَّ وَتَوَقَّفَ عَلَى رِضَا وَلِيِّهِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ إنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْأَجْرِ مُحَابَاةٌ فَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ، وَإِنْ عَقَدَ عَلَى سِلْعَةٍ فَلِوَلِيِّهِ النَّظَرُ مُطْلَقًا كَالْبَيْعِ فَالشَّرْطُ لُزُومٌ أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ (وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) فَيَكُونُ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا.

، وَلَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ الْإِمَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُلُولُ، وَأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى التَّأْجِيلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ فَيَجِبُ فِيهَا تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَعُجِّلَ) الْأَجْرُ وُجُوبًا فَلَا يُؤَخَّرُ لِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ (إنْ عَيَّنَ) أَيْ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَيْ وَشُرِطَ تَعْجِيلُهُ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَفَسَدَتْ إلَخْ (أَوْ) كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَوَقَعَ التَّعْجِيلُ (بِشَرْطٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إنْ عَيَّنَ أَيْ وَعَجَّلَ الْأَجْرَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ (أَوْ عَادَةٍ) بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ التَّعْجِيلَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ (أَوْ) كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَدَرَاهِمَ أَوْ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ لَكِنْ وَقَعَ (فِي) مَنَافِعَ (مَضْمُونَةٍ) فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ كَاسْتَأْجَرْتُكَ عَلَى فِعْلِ كَذَا فِي ذِمَّتِك إنْ شِئْت عَمِلْتَهُ بِنَفْسِك أَوْ بِغَيْرِك أَوْ عَلَى أَنْ تَحْمِلَنِي عَلَى دَوَابِّك لِبَلَدِ كَذَا فَيَجِبُ تَعْجِيلُ الْأَجْرِ لِاسْتِلْزَامِ التَّأْخِيرِ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ وَتَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ بِعَدَمِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ فَإِنْ شَرَعَ جَازَ التَّأْخِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ (إلَّا كَرْيَ حَجٍّ) وَنَحْوِهِ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ (فَالْيَسِيرُ) مِنْ الْأَجْرِ كَافٍ فِي التَّعْجِيلِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِي إبَّانِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ أَوْ الشُّرُوعِ، وَلَا يَخْفَى شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْطُوقًا، وَمَفْهُومًا

ــ

[حاشية الدسوقي]

تَنْعَقِدُ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ سَحْنُونًا يَرَى انْعِقَادَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفُ الْوَاوِ مَعَ مَا عَطَفَتْ أَيْ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ وَلُزُومُهَا بِعَاقِدٍ، وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ اللُّزُومُ (قَوْلُهُ: فَشَرْطُهُمَا) أَيْ فَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِهِمَا وَقَوْلُهُ: وَشَرْطُ اللُّزُومِ أَيْ لُزُومُ عَقْدِهِمَا (قَوْلُهُ: النَّظَرُ مُطْلَقًا) أَيْ كَانَ فِي الْأَجْرِ مُحَابَاةٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا لَكِنْ لُزُومُ إجَارَتِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِسِلْعَتِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا سَيِّدِهِ لِعَدَمِ رُشْدِهِ وَكَذَلِكَ السَّفِيهُ بِالنِّسْبَةِ لِإِجَارَتِهِ لِسِلْعَتِهِ مُطْلَقًا وَكَذَا لِنَفْسِهِ إنْ حَابَى فِي الْأُجْرَةِ، وَإِلَّا كَانَتْ إجَارَتُهُ لَازِمَةً، وَلَا يَتَوَقَّفُ لُزُومُهَا عَلَى رِضَا وَلِيِّهِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ الرُّشْدُ لَيْسَ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ (قَوْلُهُ: وَعَجَّلَ الْأَجْرَ) أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ الْأَجْرَ فَإِنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالتَّعَجُّلِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي صِحَّتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ أَصْلًا أَوْ جَرَى بِالتَّأْجِيلِ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، وَلَوْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ وَإِلَّا صَحَّتْ عَجَّلَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ تَعْجِيلُهُ إنْ كَانَ شَرْطٌ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ عَادَةٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً فِيهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ، وَلَا عَادَةٌ، وَلَكِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً وَشَرَعَ فِيهَا فَلَا يَجِبُ التَّعْجِيلُ لِلْأَجْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، إذَا عَلِمَتْ هَذَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَعُجِّلَ مُعَيَّنٌ إنْ جَرَى عُرْفٌ بِتَعْجِيلِهِ، وَإِلَّا فَسَدَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهُ وَأُجْبِرَ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَضْمُونِ إنْ كَانَ شَرْطٌ أَوْ عَادَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا الْوَفِيُّ بِهَذَا مَعَ الْإِيضَاحِ وَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ، وَفَسَدَتْ إنْ انْتَفَى عُرْفٌ بِتَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ وَعَنْ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ نَقَدَ، وَظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى إنْ عَيَّنَ أَيْ وَعَجَّلَ بِتَعْيِينِهِ أَوْ بِشَرْطٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَسَدَ) أَيْ، وَإِلَّا يَشْتَرِطُ تَعْجِيلَهُ، وَلَمْ تَكُنْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ فَسَدَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَشَرَطَ تَعْجِيلَهُ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَيَقُولُ أَيْ وَكَانَتْ الْعَادَةُ تَعْجِيلَهُ، وَإِلَّا فَسَدَ الْعَقْدُ، وَلَوْ عَجَّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُعَجِّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِهِ) الْأَوْلَى جَعْلُ الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ أَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَوَقَعَ التَّعْجِيلُ مُلْتَبِسًا بِشَرْطٍ أَوْ مُلْتَبِسًا بِعَادَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً) كَ أَسْتَأْجِرُ دَابَّتَك هَذِهِ لِأُسَافِرَ عَلَيْهَا لِمَحَلِّ كَذَا وَقَوْلُهُ: أَوْ مَضْمُونَةً أَيْ كَ أَسْتَأْجِرُ مِنْك دَابَّةً أُسَافِرُ عَلَيْهَا لِمَحَلِّ كَذَا (قَوْلُهُ: فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ) أَيْ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا وَالْحَالُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَاشْتُرِطَ تَعْجِيلُهُ أَوْ اُعْتِيدَ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِتَعْجِيلِهِ، وَلَا اشْتِرَاطٌ (قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِك) لَيْسَ هَذَا التَّصْرِيحُ لَازِمًا بَلْ إنْ حَصَلَ الْعَقْدُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَالْمَنَافِعُ مَضْمُونَةٌ فِي الذِّمَّةِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ) أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لِشَغْلِ ذِمَّةِ الْمُكْرِي بِالدَّابَّةِ مَثَلًا وَالْمُكْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ.

(قَوْلُهُ: وَتَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ) عَطَفَ عِلَّةً عَلَى مَعْلُولٍ (قَوْلُهُ: جَازَ التَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَعَدَمُ تَعْجِيلِهَا (قَوْلُهُ: كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ) أَيْ كَأَنَّهُ قَبْضٌ لِلْأَوَاخِرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ لَيْسَ قَبْضًا لِلْأَوَاخِرِ وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَنَافِعِ الْمَضْمُونَةِ شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَالْيَسِيرُ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>