لِثَمَانِ صُوَرٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْأَجْرِ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ شُرُوعٌ فِيهَا أَمْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ أَوْ يَكُونَ الْعُرْفُ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ.
فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ: أَرْبَعٌ مِنْهَا فَاسِدَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا انْتَفَى عُرْفُ التَّعْجِيلِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا أَمْ لَا، وَأَرْبَعٌ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْعُرْفُ التَّعْجِيلَ وَعَجَّلَ أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكُلُّ هَذَا إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْبَتِّ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ فَسَدَتْ فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْخِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى أَجْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ شَرَطَ تَعْجِيلَهُ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ وَجَبَ التَّعْجِيلُ أَيْضًا فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً جَازَ تَعْجِيلُهُ وَتَأْخِيرُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ كَالْحَجِّ فَالْوَاجِبُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْأَجْرِ إنْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ الْيَسِيرِ مِنْهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا، وَإِمَّا الشُّرُوعُ فَقَوْلُهُ: (وَإِلَّا) يَكُنْ الْأَجْرُ مُعَيَّنًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَعْجِيلَهُ، وَلَمْ يَجْرِ بِهِ عُرْفٌ، وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً مَعْنَاهُ لَمْ يَجِبْ تَعْجِيلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ (فَمُيَاوَمَةً) كُلَّمَا اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ يَوْمٍ أَيْ قِطْعَةً مِنْ الزَّمَنِ مُعَيَّنَةً أَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَائِهَا لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا عِنْدَ الْمُشَاحَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّرَاضِي فَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ وَتَأْخِيرُهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ التَّعْجِيلَ أَوْ جَرَى بِهِ عُرْفٌ عَجَّلَ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الصَّانِعُ وَالْأَجِيرُ فَلَيْسَ لَهُمَا أُجْرَةٌ إلَّا بَعْدَ التَّمَامِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الشَّيْءِ حُمِلُوا عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةً لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَأَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِخَيَّاطٍ خَاطَ نِصْفَ الْقَمِيصِ أَخْذُ نِصْفِ أُجْرَتِهِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ حَتَّى يُتِمَّهُ. اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ أَنَّ بَائِعَ مَنْفَعَةِ يَدِهِ إنْ كَانَ لَا يَحُوزُ مَا فِيهِ عَمَلُهُ كَالْبَنَّاءِ وَالنَّجَّارِ فَهُوَ أَجِيرٌ
ــ
[حاشية الدسوقي]
كَالدِّينَارِ وَالدِّينَارَيْنِ كَافٍ فِي التَّعْجِيلِ أَيْ خَوْفَ أَخْذِ الْأَكْرِيَاءِ أَمْوَالَ النَّاسِ وَالْهُرُوبِ بِهَا، وَمَحَلُّ كِفَايَةِ تَعْجِيلِ الْيَسِيرِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ كَثِيرَةً وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِهَا كُلِّهَا (قَوْلُهُ: لِثَمَانِ صُوَرٍ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً: اثْنَتَا عَشَرَةَ فِي الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ وَاثْنَتَا عَشَرَةَ فِي الْأَجْرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ اعْتَبَرْت فِي كُلٍّ أَنَّ الْبَيْعَ إمَّا بَتًّا أَوْ عَلَى الْخِيَارِ كَانَتْ جُمْلَةُ الصُّوَرِ ثَمَانِيًا، وَأَرْبَعِينَ صُورَةً.
(قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ التَّعْجِيلَ) أَيْ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ (قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ) أَيْ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ الْمُعَيَّنِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ أَصْلًا أَوْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْجِيلَهُ (قَوْلُهُ: فَهَذَا ثَمَانُ صُوَرٍ) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ اثْنَتَا عَشَرَةَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ: إذَا انْتَفَى عُرْفُ التَّعْجِيلِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْعُرْفُ تَأْخِيرَ الدَّفْعِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ (قَوْلُهُ: وَأَرْبَعٌ صَحِيحَةٌ) فِيهِ أَنَّهَا ثَمَانِيَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهُ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) أَيْ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً حَصَلَ شُرُوعٌ فِيهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فِي الثَّمَانِ صُوَرٍ) الْأَوْلَى فِي الِاثْنَتَيْ عَشَرَةَ صُورَةً (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى أَجْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صُوَرَهُ أَيْضًا اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَجْرَ الْغَيْرَ الْمُعَيَّنَ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ مَنَافِعَ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ شُرُوعٌ فِيهَا أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ الْغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ يَكُونَ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهَا أَوْ لَا يَكُونُ الْعُرْفُ تَعْجِيلَهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّعْجِيلَ، فَهَذِهِ اثْنَا عَشَر حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ أَشَارَ الشَّارِحُ لِحُكْمِهَا بِقَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي الْأَرْبَعِ صُوَرٍ) أَيْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً حَصَلَ الشُّرُوعُ فِيهَا أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ (قَوْلُهُ: جَازَ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْأَجْرِ وَتَأْخِيرُهُ، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ، وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ إلَخْ) صَوَابُهُ فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي غَيْرِ الْإِبَّانِ فَالْوَاجِبُ تَعْجِيلُهُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ الْيَسِيرَ مِنْهَا إنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا كِرَاءَ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ، وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْإِبَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا تَعْجِيلُ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ أَوْ الشُّرُوعُ فِي تَحْصِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَمَضْمُونَةً لَمْ يَشْرَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ مَضْمُونَةً) أَيْ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ مَضْمُونَةً شَرَعَ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّانِعِ وَالْأَجِيرِ) أَيْ بَلْ فِي كِرَاءِ الْعَقَارِ وَالرَّوَاحِلِ وَالْآدَمِيِّ لِلْخِدْمَةِ وَالْأَوَانِي (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الْجَمِيعِ إلَخْ) مَحَلُّ جَوَازِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُعَيَّنَةِ عِنْدَ التَّرَاضِي كَمَا قَالَ ح أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ أَوْ يَتَأَخَّرَ الشُّرُوعُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَإِنْ طَالَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُدَوَّنَةِ، وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا الْمُفِيدُ لِذَلِكَ فَانْظُرْهُ. اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصُّنَّاعَ وَالْأُجَرَاءَ لَمْ يُقْضَ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مَحَلُّهُ إنْ بَقِيَ عَلَى التَّمَامِ لِلُزُومِ الْعَقْدِ فَإِنْ تَقَايَلَا قَبْلَ تَمَامِهِ كَانَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ) أَيْ الْإِجَارَةِ عَلَى بَيْعِهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى السَّمْسَرَةِ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا بِدِينَارٍ (قَوْلُهُ: فَبِقَدْرِ مَا مَضَى) أَيْ فَيَسْتَحِقُّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَجِيرِ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute