للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رُجُوعٌ قَبْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ رَجَعَ لَمْ يَنْفَعْهُ رُجُوعُهُ وَلَهُ بَتُّ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ (قَوْلَانِ) الرَّاجِحُ الثَّانِي وَأَمَّا لَوْ رَجَعَا مَعًا فَلَهُمَا ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَلَا يَمْضِي إنْ حَكَمَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ رِضَاهُمَا لِلْحُكْمِ بِلَا نِزَاعٍ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ نُصِبَ لِلْإِلْزَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا بِهِ.

(وَلَا يَحْكُمُ) الْحَاكِمُ أَيْ يُمْنَعُ وَقِيلَ يُكْرَهُ أَنْ يَحْكُمَ (مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ) تَمَامِ (الْفِكْرِ) (وَمَضَى) حُكْمُهُ إنْ حَكَمَ مَعَهُ وَكَانَ صَوَابًا وَأَمَّا حُكْمُهُ مَا يُدْهِشُ عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا وَلَا يَمْضِي بَلْ يُتَعَقَّبُ وَمِثْلُهُ الْمُفْتِي وَالْمُدْهِشُ كَالْغَضَبِ وَالْخَوْفِ وَضِيقِ النَّفْسِ وَالْحَصْرِ وَالشَّغْلِ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ.

(وَعَزَّرَ) الْقَاضِي وُجُوبًا (شَاهِدَ زُورٍ) وَهُوَ مَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ صَادَفَ الْوَاقِعَ (فِي الْمَلَإِ) بِالْهَمْزِ مَقْصُورًا أَيْ الْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاسِ بِالضَّرْبِ الْمُوجِعِ (بِنِدَاءٍ) أَيْ مَعَ نِدَاءٍ عَلَيْهِ وَالطَّوَافِ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَإِشْهَارِ أَمْرِهِ لِيَرْتَدِعَ هُوَ وَغَيْرُهُ (وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، أَوْ لِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ) أَيْ وَجْهَهُ بِنَحْوِ سَوَادٍ، أَوْ طِينٍ.

(ثُمَّ فِي) (قَبُولِهِ) إنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ (تَرَدُّدٌ) فِي النَّقْلِ وَالْحَقُّ عَدَمُ قَبُولِهِ؛ لِأَنَّ مُحَصَّلَ التَّرَدُّدِ هَلْ لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا، أَوْ فِيهِ قَوْلَانِ وَأَمَّا الْقَاضِي إذَا عُزِلَ بِجُنْحَةٍ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ صَارَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.

(وَإِنْ) (أَدَّبَ) الْقَاضِي (التَّائِبَ) أَيْ شَاهِدَ زُورٍ أَتَى تَائِبًا مُقِرًّا بِزُورِهِ قَبْلَ الثُّبُوتِ عَلَيْهِ (فَأَهْلٌ) أَيْ فَهُوَ أَهْلٌ لِلتَّأْدِيبِ لَمْ يَفْعَلْ مُنْكَرًا

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْقَاضِي) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْخُلَا عَلَى الْمُرَافَعَةِ لَهُ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَنْ دُعِيَ لِلرَّفْعِ لَهُ يُجْبِرُ الْآخَرَ لِمُوَافَقَتِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَصَبَ إلَخْ عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ أَيْ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِلْإِلْزَامِ وَقَطْعِ مَادَّةِ النِّزَاعِ وَالشَّارِعُ دَاعٍ لِذَلِكَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: دَخَلَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِمَا) أَيْ بِاخْتِيَارِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ دَوَامِ رِضَاهُمَا بِمَا يَحْكُمُ بِهِ لِانْتِهَاءِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ يُمْنَعُ) هَذَا هُوَ الْأَنْسَبُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَمَضَى "؛ إذْ لَا يُحْتَاجُ لِلنَّصِّ عَلَى مُضِيِّ الْمَكْرُوهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَقَوْلُهُ: أَيْ يُمْنَعُ أَيْ كَمَا فِي ح عَنْ أَبِي الْحَسَنِ وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ أَيْ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ تت. (قَوْلُهُ: مَعَ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِ الْفِكْرِ) أَيْ مَا يُدْهِشُ الْعَقْلَ عَنْ تَمَامِ الْفِكْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْضِي) أَيْ مُطْلَقًا بَلْ إنْ كَانَ صَوَابًا مَضَى وَإِلَّا رُدَّ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَا يُدْهِشُ عَنْ أَصْلِ الْفِكْرِ إنَّمَا يُخَالِفُ مَا يُدْهِشُ عَنْ تَمَامِهِ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَأَمَّا الْحُكْمُ مَعَ كُلٍّ فَهُوَ مَاضٍ إنْ كَانَ صَوَابًا وَإِلَّا رُدَّ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْمُفْتِي) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مَعَ وُجُودِ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ تَمَامِ فِكْرِهِ، أَوْ أَصْلِ فِكْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَضِيقِ النَّفْسِ) أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِاللَّقَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ. (قَوْلُهُ: وَالْحَصْرِ) أَيْ بِالْبَوْلِ وَمِثْلُهُ الْحَقْنُ بِالرِّيحِ. (قَوْلُهُ: وَالشَّغْلِ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ) أَيْ كَجُوعٍ شَدِيدٍ وَعَطَشٍ وَأَكْلٍ فَوْقَ الْكِفَايَةِ وَكَثْرَةِ ازْدِحَامِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ سَحْنُونٌ يَحْكُمُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ لَا يُدْخِلُ عَلَيْهِ بَوَّابُهُ إلَّا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ وَفِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ: السَّتْرُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ وَاسْتِجْمَاعُ الْفِكْرِ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ شَهِدَ بِذَلِكَ عَمْدًا وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ لِشُبْهَةٍ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُ زُورًا اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: الْجَمَاعَةِ مِنْ النَّاسِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَشْرَافًا. (قَوْلُهُ: بِالضَّرْبِ الْمُوجِعِ) أَيْ وَيُرْجَعُ فِي قَدْرِهِ لِاجْتِهَادِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ نِدَاءٍ عَلَيْهِ) أَيْ أَنَّ هَذَا شَاهِدُ زُورٍ وَانْظُرْ هَلْ الْوُجُوبُ مُنْصَبٌّ عَلَى التَّعْزِيرِ وَالنِّدَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ مُنْصَبٌّ عَلَى خُصُوصِ التَّعْزِيرِ وَكَوْنِهِ فِي الْمَلَإِ، وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ فَقَطْ اهـ عَدَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ) أَيْ يُكْرَهُ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَا يَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ أَصْلًا، وَحَلْقُهَا عِنْدَهُمْ نَكَالٌ أَيْ تَعْيِيبٌ وَتَمْثِيلٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِحْيَتَهُ وَلَا يُسَخِّمُهُ) أَيْ يَحْرُمُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ هَاتَيْنِ وَكَذَا مَا يُفْعَلُ فِي الْأَفْرَاحِ بِمِصْرَ مِنْ تَسْخِيمِ الْوَجْهِ بِسَوَادٍ كَفَحْمٍ أَوْ دَقِيقٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ سَوَادٍ) أَيْ كَدَقِيقٍ، أَوْ حِبْرٍ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ فِي قَبُولِهِ) أَيْ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ إذَا شَهِدَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ كَانَ قَبْلَ التَّعْزِيرِ أَوْ بَعْدَهُ فَالتَّرَدُّدُ جَارٍ فِي الْحَالَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ قَبْلَ التَّوْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ. (قَوْلُهُ: تَرَدُّدٌ) أَيْ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى طَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلصَّلَاحِ حِينَ شَهِدَ بِالزُّورِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا أَيْ لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ عَلَى خَوْبَشَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِلصَّلَاحِ حِينَ شَهِدَ أَوَّلًا بِالزُّورِ فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ وَعَدَمِ قَبُولِهَا قَوْلَانِ وَالثَّانِيَةُ عَكْسُ هَذِهِ لِابْنِ رُشْدٍ فَقَالَ إنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلصَّلَاحِ حِينَ شَهَادَتِهِ أَوَّلًا بِالزُّورِ فَقَوْلَانِ فِي شَهَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ حِينَ شَهِدَ أَوَّلًا بِالزُّورِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا قَالَ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ تت وَطَرِيقَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْسَبُ بِالْفِقْهِ وَطَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ عَدَمُ قَبُولِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حِينَ شَهَادَتِهِ أَوَّلًا بِالزُّورِ مُظْهِرًا لِلصَّلَاحِ، أَوْ لَا وَاَلَّذِي فِي المج أَنَّ الظَّاهِرَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ حَيْثُ تَابَ وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلصَّلَاحِ حِينَ شَهَادَتِهِ أَوَّلًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَلَا تُقْبَلُ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ أَهْلٌ لِلتَّأْدِيبِ) أَيْ فَالْقَاضِي أَهْلٌ لِلتَّأْدِيبِ أَيْ أَنَّهُ أَصَابَ فِي فِعْلِهِ وَوَضَعَ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>