وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ.
(وَ) عَزَّرَ (مَنْ) (أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ) بِحَضْرَتِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِخَصْمِهِ يَا فَاجِرُ، أَوْ أَنْتَ فَاجِرٌ ظَالِمٌ (أَوْ) مَنْ أَسَاءَ عَلَى (مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ فِي ذَلِكَ بَلْ يَسْتَنِدُ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ وَالْحَقُّ حِينَئِذٍ لِلَّهِ لِانْتَهَاكِ حُرْمَةِ الشَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَرْكُهُ وَأَمَّا بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الثُّبُوتِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ (لَا بِ شَهِدْتَ) أَيْ لَا يُعَزِّرُهُ بِقَوْلِهِ لِلشَّاهِدِ شَهِدْتَ عَلَيَّ (بِبَاطِلٍ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِزُورٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَاطِلِ شَهَادَةُ الزُّورِ؛ إذْ الْبَاطِلُ أَعَمُّ مِنْ الزُّورِ لِأَنَّ الْبَاطِلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ وَالزُّورَ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ الشَّاهِدِ فَقَدْ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ وَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ قَضَاهُ، أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ، أَوْ أُحِيلَ عَلَيْهِ بِهِ، أَوْ عَفَا عَنْهُ وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى الشَّاهِدِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الزُّورِ فَإِنَّهَا تَعَمُّدُ الْإِخْبَارِ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُ (كَلِخَصْمِهِ) أَيْ كَقَوْلِهِ لِخَصْمِهِ (كَذَبْتَ) عَلَيَّ، أَوْ ظَلَمْتَ أَوْ ظَلَمْتَنِي فَلَا يُؤَدَّبُ بِخِلَافِ يَا ظَالِمُ أَوْ يَا كَذَّابُ فَيُؤَدَّبُ.
(وَلْيُسَوِّ) وُجُوبًا (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) فِي الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ وَالْكَلَامِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ لَهُمَا (وَإِنْ) كَانَ أَحَدُهُمَا (مُسْلِمًا) شَرِيفًا (وَ) الْآخَرُ (كَافِرًا) .
(وَقُدِّمَ) فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى (الْمُسَافِرُ) وُجُوبًا عَلَى الْحَاضِرِ وَلَوْ سَبَقَ الْحَاضِرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُسَافِرُ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَ) قُدِّمَ (مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) لَوْ قُدِّمَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مُسَافِرًا لِضَرَرِ الْفَوَاتِ (ثُمَّ السَّابِقُ) إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ (قَالَ) الْمَازِرِيُّ
ــ
[حاشية الدسوقي]
لِفِعْلِهِ أَمْرًا مَطْلُوبًا وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُؤَدِّبُ التَّائِبَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّبَهُ لَكَانَ ذَلِكَ وَسِيلَةً لِعَدَمِ تَوْبَتِهِمْ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَهُ ابْنُ سَعْدٍ اهـ بْن وَفِيهِ أَنَّهُ يَتُوبُ وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ عَلَى رَدِّ الظُّلَامَةِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا فَإِذَا رَدَّهَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ التَّأْدِيبِ فَيَكُونُ التَّأْدِيبُ مَرْجُوحَ الْفِعْلِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ؛ إذْ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلِ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ أَسَاءَ عَلَى مُفْتٍ، أَوْ شَاهِدٍ) أَيْ بِحَضْرَتِهِ بِأَنْ قَالَ لَهُ أَنْت قَدْ افْتَرَيْت عَلَيَّ فِي فَتْوَاك، أَوْ فِي شَهَادَتِك، أَوْ شَهِدْت عَلَيَّ بِالزُّورِ. (قَوْلُهُ: إلَى بَيِّنَةٍ فِي ذَلِكَ) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ لِبَيِّنَةٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِسَاءَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ الْأَرْبَعَ وَهِيَ تَأْدِيبُ الْقَاضِي لِمَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى خَصْمِهِ، أَوْ عَلَى الشَّاهِدِ، أَوْ عَلَى الْمُفْتِي بِمَجْلِسِهِ - مُسْتَنِدًا لِعِلْمِهِ - تُزَادُ عَلَى قَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِدَ لِعِلْمِهِ إلَّا فِي التَّعْدِيلِ وَفِي التَّجْرِيحِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَسَاءَ عَلَى خَصْمِهِ، أَوْ عَلَى الْمُفْتِي، أَوْ عَلَى الشَّاهِدِ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْقَاضِي. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِزُورٍ) أَيْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلشَّاهِدِ شَهِدْت عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُهُ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْمَوَّاقِ مَا نَصَّهُ ابْنُ كِنَانَةَ: إنْ قَالَ لَهُ شَهِدْتَ عَلَيَّ بِزُورٍ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يُعَاقَبْ وَإِنْ قَصَدَ أَذَاهُ وَإِشْهَارَهُ بِأَنَّهُ مُزَوِّرٌ نُكِّلَ بِقَدْرِ حَالِ الشَّاهِدِ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَهُ إلَّا لِقَرِينَةٍ تُكَذِّبُهُ اهـ عبق. (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ) أَيْ بِأَنْ شَهِدَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ، أَوْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالزُّورَ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِ الشَّاهِدِ) أَيْ بِأَنْ شَهِدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ كَانَ مَا شَهِدَ بِهِ مُوَافِقًا لِلْوَاقِعِ، أَوْ خِلَافَ الْوَاقِعِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ فَإِذَا شَهِدَ بِمَا هُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَانَ بَاطِلًا وَزُورًا وَإِذَا شَهِدَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَا زُورًا وَإِذَا شَهِدَ بِمَا هُوَ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ زُورًا لَا بَاطِلًا. (قَوْلُهُ: فَقَدْ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ يَعْلَمُهُ) أَيْ كَدَيْنٍ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ قَضَاهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ قَضَاهُ فَتِلْكَ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ لَا زُورٌ. (قَوْلُهُ: كَذَبْت عَلَيَّ) أَيْ فِيمَا ادَّعَيْته وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا - أَعْنِي قَوْلَهُ لِخَصْمِهِ أَنْتَ كَذَبْت أَوْ ظَلَمْتنِي وَمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ لِلشَّاهِدِ: أَنْتَ شَهِدْت عَلَيَّ بِبَاطِلٍ - مِنْ انْتِهَاكِ مَجْلِسِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا تَعَلُّقًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بُطْلَانٌ وَكَذِبٌ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْخُصُومَةِ لَا أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُهُ فِي ذَاتِهِ بِخِلَافِ الْإِسَاءَةِ بِنَحْوِ يَا ظَالِمُ، أَوْ يَا فَاجِرُ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْخُصُومَةِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ صِفَتَهُ كَذَا فِي ذَاتِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلْيُسَوِّ) أَيْ الْقَاضِي وُجُوبًا أَخْذًا مِنْ لَامِ الْأَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ كَافِرَيْنِ بَلْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَقَوْلُهُ: وَإِنْ مُسْلِمًا هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ بِأَنْ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ حَكَى قَوْلًا بِجَوَازِ رَفْعِ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَنَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمَالِكٍ وَحِينَئِذٍ فَالْمَحَلُّ لِلَوْ لَا لِإِنْ اهـ بْن وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ مِثْلِ هَذَا بِأَنَّ اصْطِلَاحَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِلَوْ كَانَتْ إشَارَةً لِلْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ خِلَافٌ أَنْ يَسِيرَ لَهُ بِلَوْ.
(قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى الْمُسَافِرُ) يَعْنِي أَنَّهُ إذَا تَدَاعَى عِنْدَ الْقَاضِي مُسَافِرُونَ وَغَيْرُهُمْ وَتَنَازَعُوا فِي التَّقْدِيمِ لِلدَّعْوَى قُدِّمَ الْمُسَافِرُ عَلَى الْحَاضِرِ وَقَوْلُهُ: وُجُوبًا أَيْ وَقِيلَ نَدْبًا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَبَقَ الْحَاضِرُ) أَيْ لِمَجْلِسِ الْقَاضِي بِأَنْ أَتَى إلَيْهِ قَبْلَ إتْيَانِ الْمُسَافِرِ وَقَوْلُهُ: إلَّا لِضَرُورَةٍ أَيْ إلَّا كَانَ يَحْصُلُ لِلْمُقِيمِ ضَرَرٌ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ وَإِلَّا قُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُقِيمُ فَإِنْ حَصَلَ لِكُلٍّ ضَرَرٌ بِسَبَبِ تَقْدِيمِ الْآخَرِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ) أَيْ وَمُدَّعِي مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَذَلِكَ كَمُدَّعِي نِكَاحٍ اسْتَحَقَّ فَسْخًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَخِيفَ إنْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute