مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ (وَإِنْ) كَانَ السَّابِقُ مُلْتَبِسًا (بِحَقَّيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ بِكُلِّ حُقُوقِهِ (بِلَا طُولٍ) فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا طُولٌ يَضُرُّ بِالْمُتَأَخِّرِ قُدِّمَ بِأَحَدِهِمَا وَأُخِّرَ الثَّانِي عَمَّنْ يَلِيهِ (ثُمَّ) إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرٌ وَلَا سَابِقٌ بِأَنْ جَاءُوا مَعًا أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمْ وَجُهِلَ وَادَّعَى كُلٌّ السَّبْقَ وَلَا مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ (وَيَنْبَغِي) لِلْقَاضِي (أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ) وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُنَّ مَعَ رِجَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُنَّ (كَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ) تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فَيُقَدِّمُ كُلٌّ مِنْهُمَا: الْمُسَافِرَ وَمَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، ثُمَّ السَّابِقُ، ثُمَّ أُقْرِعَ وَكَذَا الْمُقْرِئُ إلَّا لِمُهِمٍّ وَكَذَا أَرْبَابُ الْحِرَفِ كَالْخَبَّازِ.
(وَأُمِرَ) (مُدَّعٍ) نَائِبُ فَاعِلِ " أُمِرَ " أَيْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْكَلَامِ أَوَّلًا وَالْمُدَّعِي هُوَ مَنْ (تَجَرَّدَ قَوْلُهُ) حَالَ الدَّعْوَى (عَنْ مُصَدِّقٍ) مِنْ أَصْلٍ، أَوْ مَعْهُودٍ عُرْفًا أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُصَدِّقُهُ مِنْ هَذَيْنِ حِينَ الدَّعْوَى وَلِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ لِيُصَدَّقَ وَأَمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ مَنْ تَمَسَّكَ بِأَصْلٍ، أَوْ عُرْفٍ وَالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدَمُ وَقَوْلُهُ (بِالْكَلَامِ) أَيْ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقٌ بِ أُمِرَ (وَإِلَّا) يُعْلَمْ الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ كُلٌّ أَنَا الْمُدَّعِي
ــ
[حاشية الدسوقي]
أُخِّرَ النَّظَرُ فِيهِ يَحْصُلُ دُخُولٌ وَمُدَّعِي طَعَامٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَعَطْفُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَمُدَّعِي مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُدَّعِي مُسَافِرًا، أَوْ غَيْرَ مُسَافِرٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَوْ مُسَافِرًا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ غَيْرَ مُسَافِرٍ وَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي مُدَّعِي مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ وَأَمَّا جَعْلُهُ مُبَالَغَةً فِي الْغَيْرِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ مُدَّعِي مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَعَطْفُ الْمُصَنِّفِ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ الْمُسَافِرِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَيُقَدَّمُ مَنْ كَانَ أَشَدَّ ضَرَرًا مِنْهُمَا فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ هَذَا الْقَوْلُ نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّابِقَ إذَا كَانَ يَدَّعِي بِحَقَّيْنِ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِحَقَّيْهِ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا طُولٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ يُقَدَّمُ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ وَيُؤَخَّرُ الْحَقُّ الثَّانِي عَنْ جَمِيعِ مَنْ حَضَرَ وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ الْأَوَّلَ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَوْلَى لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ السَّابِقُ وَإِنْ بِحَقَّيْنِ بِلَا طُولٍ عَلَى الْمَقُولِ هَكَذَا بِصِيغَةِ الِاسْمِ لِاخْتِيَارِ الْمَازِرِيِّ لَهُ مِنْ خِلَافٍ لَكِنَّ كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُ الْمُصَنِّفُ قَالَ لِمُجَرَّدِ النِّسْبَةِ كَمَا فِي: قَالَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ السَّابِقُ مُلْتَبِسًا بِحَقَّيْنِ) الْأَوْضَحُ وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى السَّابِقِ بِحَقَّيْنِ وَدَعْوَى الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ بِحَقٍّ وَاحِدٍ إذَا كَانَ لَا طُولَ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: قُدِّمَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طُولٌ. (قَوْلُهُ: وَأُخِّرَ الثَّانِي عَمَّنْ يَلِيهِ) صَوَابُهُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ حَضَرَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّوَادِرِ اُنْظُرْ بْن. (قَوْلُهُ: أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِي بِرِقَاعٍ بِعَدَدِهِمْ وَيَأْمُرَ أَحَدَهُمْ بِأَخْذِ رُقْعَةٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا قُدِّمَ وَهَكَذَا. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْرِدَ وَقْتًا، أَوْ يَوْمًا لِلنِّسَاءِ) أَيْ اللَّاتِي يَخْرُجْنَ لَا الْمُخَدَّرَاتِ اللَّاتِي يُمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ كَلَامِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ يُوَكِّلْنَ، أَوْ يَبْعَثُ الْقَاضِي لَهُنَّ فِي مَنْزِلِهِنَّ وَاحِدًا مِنْ طَرَفِهِ يَسْمَعُ دَعْوَاهُنَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ خُصُومَتُهُنَّ إلَخْ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَتْ خُصُومَتُهُنَّ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بَلْ وَكَانَتْ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُقْرِئُ) أَيْ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ يُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ، ثُمَّ الْأَسْبَقُ، ثُمَّ أُقْرِعَ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِمُهِمٍّ) بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَكْثَرَ قَابِلِيَّةً فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ لِتَحْصِيلِ كَثْرَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى قِلَّتِهَا. (قَوْلُهُ: كَالْخَبَّازِ) أَيْ وَالطَّحَّانِ فَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ ثُمَّ الْأَسْبَقُ، ثُمَّ أُقْرِعَ هَذَا كَلَامُهُ وَاَلَّذِي فِي ابْنِ غَازِيٍّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ وَإِلَّا عُمِلَ بِهِ وَاَلَّذِي فِي الْمَوَّاقِ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّ أَرْبَابَ الصَّنَائِعِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ عُرْفٌ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا قُدِّمَ الْآكَدُ فَالْآكَدُ بِجُوعِ أَهْلٍ، أَوْ خَوْفِ فَسَادٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْكَلَامِ أَوَّلًا) يَعْنِي وُجُوبًا وَذَلِكَ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ هَذَا مُدَّعٍ بِأَنْ يَسْمَعَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ يَتَخَاصَمَانِ فَعَلِمَ بِهِ، أَوْ دَخَلَا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى تَكَلَّمَا فَعَلِمَ بِهِ أَوْ قَالَ لَهُمَا مَا شَأْنُكُمَا، أَوْ مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا مُدَّعٍ وَوَافَقَهُ خَصْمُهُ عَلَى ذَلِكَ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا أُورِدَ هُنَا مِنْ الدَّوْرِ وَهُوَ أَنَّ أَمْرَهُ بِالْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَلَامِهِ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَأْمُورَ بِهِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا الْمُرَادُ بِهِ الدَّعْوَى، وَالْكَلَامَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا غَيْرُ الدَّعْوَى مِثْلُ تَخَاصُمِهِمَا، أَوْ جَوَابِهِ إذَا سَأَلَهُمَا مَا شَأْنُكُمَا. (قَوْلُهُ: مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ حَالَ الدَّعْوَى إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ تَعْرِيفَ الْمُدَّعِي بِمَا ذُكِرَ غَيْرُ جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنْ صَحِبَ دَعْوَاهُ بَيِّنَةٌ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ: عَنْ مُصَدِّقٍ لِوُجُودِ الْمُصَدِّقِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّجَرُّدُ حَالَ الدَّعْوَى فَهَذَا يُسَمَّى مُدَّعِيًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدْ يُدْفَعُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا بِتَفْسِيرِ الْمُصَدِّقِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ التَّجَرُّدَ عَنْ مُصَدِّقٍ خَاصٍّ لَا يُنَافِي مُصَاحَبَةَ مُصَدِّقٍ غَيْرِهِ أَعْنِي الْبَيِّنَةَ. (قَوْلُهُ: مِنْ أَصْلٍ أَوْ مَعْهُودٍ) فَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَنْتَ عَبْدِي فَهُوَ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَجَرَّدَ عَنْ الْأَصْلِ وَعَنْ الْمَعْهُودِ عُرْفًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا مَنْ قَالَ فُلَانٌ لَمْ يَرُدَّ لِي الْوَدِيعَةَ مُدَّعٍ لِتَجَرُّدِ قَوْلِهِ عَنْ الْمَعْهُودِ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ تَصْدِيقُ الْأَمِينِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْعَدَمُ) فَمَنْ قَالَ: لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ مِنْ بَيْعٍ مَثَلًا فَهُوَ مُدَّعٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا حِينَ دَعْوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute