وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يُوَلَّى الْجَاهِلُ لِعَدَمِ وُجُودِ الْعَالِمِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَرَضِهِ، أَوْ سَفَرِهِ.
(وَلَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ) أَيْ لَا يَنْظُرُ فِيهِ مَنْ يَتَوَلَّى بَعْدَهُ لِئَلَّا يَكْثُرَ الْهَرْجُ وَالْخِصَامُ وَتَفَاقُمُ الْحَالِ وَحُمِلَ عِنْدَ جَهْلِ حَالِهِ عَلَى الْعَدَالَةِ إنْ وَلَّاهُ عَدْلٌ (وَنَقَضَ) إنْ عَثَرَ عَلَى خَطَأِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ مِنْ غَيْرِ تَفَحُّصٍ (وَبَيَّنَ) النَّاقِضُ (السَّبَبَ) الَّذِي نَقَضَ مِنْ أَجْلِهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى (مُطْلَقًا) أَيْ نَقَضَهُ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ فَقَوْلُهُ نَقَضَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَقَوْلُهُ (مَا) أَيْ حُكْمًا مَفْعُولُهُ (خَالَفَ) فِيهِ (قَاطِعًا) مِنْ نَصِّ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، أَوْ الْقَوَاعِدِ كَأَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] وَكَأَنْ يَحْكُمَ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَارِدٌ بِاخْتِصَاصِهَا بِالشَّرِيكِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ وَكَأَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ اخْتِصَاصِ الْجَدِّ أَوْ مُقَاسَمَةِ الْأَخِ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاخْتِصَاصِ الْأَخِ وَحِرْمَانِ الْجَدِّ وَكَأَنْ يَحْكُمَ بِبَيِّنَةٍ نَافِيَةٍ دُونَ الْمُثْبِتَةِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ تَقْدِيمُ الْمُثْبِتَةِ عَلَى النَّافِيَةِ (أَوْ) خَالَفَ فِيهِ (جَلِيَّ قِيَاسٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِمَوْصُوفِهَا أَيْ قِيَاسًا جَلِيًّا وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَوْ ضَعْفِهِ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْهُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُوسِرٌ وَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَمْرَيْنِ: أَوَّلُهُمَا قَوْلُهُ (كَاسْتِسْعَاءِ مُعْتَقٍ) بَعْضُهُ بِأَنْ وَقَعَ مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَأَبَى الشَّرِيكُ الثَّانِي مِنْ عِتْقِ نَصِيبِهِ فَحَكَمَ لَهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى لِهَذَا الْمَالِكِ لِلْبَعْضِ وَيَأْتِي لَهُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ فِيهِ لِيَكْمُلَ عِتْقُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ الْعِلْمِ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ تَوْلِيَتِهِ وَنُفُوذِ حُكْمِهِ وَلَوْ شَاوَرَ. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ قَدْ يُوَلَّى الْجَاهِلُ إلَخْ) أَيْ فَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ الْوِلَايَةِ عِنْدَ إمْكَانِ ذَلِكَ وَتَيَسُّرِهِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُودِ الْعَالِمِ) أَيْ فَإِذَا وُجِدَ الْعَالِمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَوُلِّيَ نُقِضَ حُكْمُ الْجَاهِلِ الْمَذْكُورِ وَكَانَ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ كَوْنُهُ عَالِمًا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إنْ وَلَّاهُ عَدْلٌ) أَيْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَاضِي الْمَجْهُولُ الْحَالِ قَاضِيَ مِصْرٍ. (قَوْلُهُ: وَنَقَضَ وَبَيَّنَ السَّبَبَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ الْعَدْلَ الْعَالِمَ إذَا عَثَرَ عَلَى حُكْمٍ خَطَأٍ مُخَالِفٍ لِلنَّصِّ الْقَاطِعِ، أَوْ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ صَادِرًا مِنْ قَاضٍ عَدْلٍ عَالِمٍ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ وَبَيَانُ السَّبَبِ فِي نَقْضِهِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُتَعَقَّبُ حُكْمُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَعَقُّبَهُ؛ لِأَنَّ نَقْضَ حُكْمِهِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ تَعَقُّبِهِ قُلْت إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رُفِعَ إلَيْهِ فَظَهَرَ خَطَؤُهُ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَيْ نَقَضَهُ هُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْمُخْطِئُ وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَيْ كَانَ حُكْمَهُ، أَوْ كَانَ حُكْمَ غَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: مَا خَالَفَ قَاطِعًا) نَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مَا خَالَفَ الظَّنَّ الْجَلِيَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا إذَا خَالَفَ نَصَّ السُّنَّةِ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَةِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَاطِعِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ مُطْلَقًا مُتَوَاتِرَةً أَوْ لَا، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ فِي السُّنَّةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ) أَيْ وَكَحُكْمِهِ بِمُسَاوَاةِ الْبِنْتِ لِأَخِيهَا فِي الْمِيرَاثِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ) أَيْ وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ فَهُوَ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: وَكَأَنْ يَحْكُمَ بِبَيِّنَةٍ نَافِيَةٍ دُونَ الْمُثْبِتَةِ) هَذَا مِثَالٌ لِمَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ وَمِثَالُهُ أَيْضًا الْحُكْمُ بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، أَوْ مَتَى مَا طَلَّقْتُك وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ تَحَقَّقَ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يَجِدْ مَحَلًّا، وَكُلُّ شَيْءٍ أَدَّى ثُبُوتُهُ إلَى نَفْيِهِ يَنْتَفِي قَطْعًا فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ أَصْلًا كَذَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي خَالَفَهَا أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ أَنْ يُجَامِعَ الْمَشْرُوطَ وَإِلَّا أُلْغِيَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: قَبْلَهُ كَالْعَدَمِ لَا يُعْتَبَرُ فَهُوَ مُلْغًى لِأَجْلِ أَنْ تَحْصُلَ الْمُجَامَعَةُ وَحِينَئِذٍ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَ الثَّلَاثُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَبَّهَ فِيمَا تَقَدَّمَ) أَيْ بِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا خَالَفَ قَاطِعًا أَوْ جَلِيَّ قِيَاسٍ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ جَعْلِ مَا بَعْدَهَا مِثَالًا لِمَا قَبْلَهَا كَمَا قَالَ طفى؛ إذْ لَيْسَ فِي الْحُكْمِ بِالِاسْتِسْعَاءِ مُخَالَفَةُ قَاطِعٍ وَلَا جَلِيِّ قِيَاسٍ بَلْ وَلَا سُنَّةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ مُسْتَنِدًا لِسُنَّةٍ أُخْرَى وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ هُوَ مُوَافِقٌ لِسُنَّةٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا مَرْجُوحَةٌ وَلِذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ إنَّ النَّقْضَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ فَمَا خَالَفَ عَمَلَهُمْ يُنْقَضُ بِمَنْزِلَةِ مَا خَالَفَ قَاطِعًا وَالنَّقْضُ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَاطِعِ وَجَلِيِّ الْقِيَاسِ اهـ كَلَامُ طفى، وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَا خَالَفَ السُّنَّةَ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِسُنَّةٍ أَصْلًا، أَوْ مُسْتَنِدًا لِسُنَّةٍ ضَعِيفَةٍ كَحُكْمِ الْقَاضِي فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَالْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ فِي الْجَمِيعِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ حَيْثُ جَعَلَهَا لِلتَّشْبِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلَيْنِ وَلِلتَّمْثِيلِ لِمَا بَعْدَهُمَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ وَقَعَ) أَيْ عِتْقُ الْبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute