للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَطْ تَوَجَّهَتْ وَلَا تُرَدُّ لَكِنَّ تَوَجُّهَهَا فِي غَيْرِ النِّكَاحِ فَإِنْ حَلَفَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالسَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ تُرِكَ، وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ دُيِّنَ وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَتَوَجَّهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ فُلَانًا زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ وَأَنْكَرَ الْأَبُ فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدًا وَاحِدًا بِذَلِكَ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْأَبِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَسَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الشَّهَادَاتِ فِي قَوْلِهِ وَحُلِّفَ بِشَاهِدٍ فِي طَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَا نِكَاحٍ فَقَوْلُهُ هُنَا (كَنِكَاحٍ) مِثَالٌ لِمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ لَا مِثَالٌ لِمَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ شَاهِدِ الْمُدَّعِي.

(وَأَمَرَ) الْقَاضِي نَدْبًا (بِالصُّلْحِ) (ذَوِي الْفَضْلِ) مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ (وَ) ذَوِي (الرَّحِمِ) أَيْ الْأَقَارِبَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَمْرٌ يُوجِبُ الشَّحْنَاءَ وَالتَّفَرُّقَ بِخِلَافِ الصُّلْحِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ لِجَمْعِ الْخَوَاطِرِ وَتَأْلِيفِ النُّفُوسِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا (كَأَنْ خَشِيَ) الْحَاكِمُ بِحُكْمِهِ (تَفَاقُمَ) أَيْ اتِّسَاعَ (الْأَمْرِ) أَيْ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَيَأْمُرُهُمَا بِالصُّلْحِ لَكِنَّ فِي هَذَا وُجُوبًا سَدًّا لِلْفِتْنَةِ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَأْمُرُ مَنْ ذُكِرَ بِالصُّلْحِ وَلَوْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِقَوْلِهِ الْآتِي وَلَا يَدْعُو لِصُلْحٍ إنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ ثُمَّ الْأَمْرُ بِالصُّلْحِ فِيمَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ لَا فِي نَحْوِ طَلَاقٍ.

(وَلَا يَحْكُمُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ (لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ (عَلَى الْمُخْتَارِ) وَكَذَا لَا يَحْكُمُ عَلَى مَنْ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهَا وَأَمَّا إنْ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ لِابْنِهِ مَثَلًا عَلَيْهِ.

(وَنُبِذَ) (حُكْمُ جَائِرٍ) وَهُوَ الَّذِي يَمِيلُ عَنْ الْحَقِّ عَمْدًا وَمِنْهُ مَنْ يَحْكُمُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ نَظِيرٍ لِتَعْدِيلٍ وَلَا تَجْرِيحٍ فَيَنْقُضُهُ مَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مُسْتَقِيمًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ مَا لَمْ تَثْبُتْ صِحَّةُ بَاطِنِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ (وَجَاهِلٍ لَمْ يُشَاوِرْ) الْعُلَمَاءَ وَلَوْ وَافَقَ الْحَقَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَاوَرَهُمْ (تُعُقِّبَ) حُكْمُهُ وَيُنْقَضُ مِنْهُ الْخَطَأُ (وَمَضَى) مِنْهُ (غَيْرُ الْجَوْرِ) وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِنَّمَا تُعُقِّبَ مَعَ الْمُشَاوَرَةِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ عَرَفَ الْحُكْمَ فَقَدْ لَا يَعْرِفُ إيقَاعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ نَظَرٍ فِي الْبَيِّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إذْ الْقَضَاءُ صِنَاعَةٌ دَقِيقَةٌ لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا كُلُّ النَّاسِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ الْعِلْمُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

الْمُدَّعِي بِحَيْثُ إذَا حَلَفَهَا يَثْبُتُ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَعِتْقٍ وَكِتَابَةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ ثُبُوتُ مَا ذُكِرَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مَعَ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا ثَمَرَةَ فِي رَدِّهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ تَوَجُّهَهَا) أَيْ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ. (قَوْلُهُ: كَالسَّيِّدِ فِي الْعِتْقِ) أَيْ وَالْكِتَابَةِ وَكَالزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ وَكَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلَا تَتَوَجَّهُ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُجْبِرُ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النِّكَاحِ الشُّهْرَةُ فَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِيهِ رِيبَةٌ فَلِذَا لَمْ يُطْلَبْ الْوَلِيُّ بِالْيَمِينِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ غَيْرِ النِّكَاحِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ فِيهِ الشُّهْرَةَ فَلَا رِيبَةَ فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِيهِ فَلِذَا أُمِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا مِثَالٌ لِمَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدٍ لِلْمُدَّعِي الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِهَا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَرَ الْقَاضِي) أَيْ وَكَذَلِكَ الْمُحَكَّمُ. (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالصُّلْحِ إلَّا مَنْ كَانَ ذَا فَضْلٍ وَرَحِمٍ مَعًا وَأَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِأَحَدِهِمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ) أَيْ وَهُوَ مَنْ كَانَتْ قَرَابَتُهُ لَهُ أَكِيدَةً وَإِنَّمَا مُنِعَ حُكْمُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ وَحَكَمَ لِمَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، أَوْ لَا يُنْقَضُ وَهُوَ ظَاهِرُ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، أَوْ يَنْقُضُهُ هُوَ لَا غَيْرُهُ وَهُوَ مَا فِي النَّوَادِرِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ. (قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُ الْمُخْتَارِ إلَخْ) هُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ لِلْخَلِيفَةِ وَهُوَ أَقْوَى تُهْمَةً فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ مَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ لِتَوْلِيَتِهِ إيَّاهُ.

(قَوْلُهُ: وَنُبِذَ) أَيْ طُرِحَ وَأُلْقِيَ. (قَوْلُهُ: حُكْمُ جَائِرٍ) أَيْ حُكْمُ مَنْ شَأْنُهُ الْجَوْرُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ مُسْتَقِيمًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ) أَيْ وَلَمْ تَثْبُتْ صِحَّةُ بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الْجَائِرَ قَدْ يَتَحَيَّلُ وَيُوقِعُ الصُّورَةَ صَحِيحَةً وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَافَقَ الْحَقَّ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ تُعْلَمْ صِحَّةُ بَاطِنِهِ أَمَّا إنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ صِحَّةُ بَاطِنِهِ فَلَا يُنْقَضُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَائِرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ فَإِنَّ الْجَاهِلَ غَايَتُهُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْجَائِرِ وَعِبَارَةُ بَهْرَامَ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْجَاهِلِ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ صَوَابًا اهـ بْن. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تُعُقِّبَ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْجَاهِلِ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّ الْجَاهِلَ تُنْقَضُ أَحْكَامُهُ مُطْلَقًا وَغَيْرَ الْجَاهِلِ إنْ كَانَ مُشَاوِرًا فَلَا يُتَعَقَّبُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشَاوِرٍ تُعُقِّبَ فَيُنْقَضُ مِنْهُ الْخَطَأُ وَيُمْضَى مَا كَانَ صَوَابًا اهـ بْن وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ الْعِلْمُ بَلْ هُوَ شَرْطُ كَمَالٍ فَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْجَاهِلِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فَمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَاوَرَةٍ يُنْقَضُ وَمَا شَاوَرَ فِيهِ يُتَعَقَّبُ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ فَالْجَاهِلُ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْقَضَاءِ لَهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ الْعِلْمُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>