فَأَنَّى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ شَرْعًا وَلَكِنَّهُمْ يُمْضُونَهَا طَبْعًا
(وَلَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (مَنْ شَهِدَ لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (بِكَثِيرٍ) فِي نَفْسِهِ أَيْ شَأْنُهُ أَنْ يُتَّهَمَ فِيهِ (وَ) شَهِدَ (لِغَيْرِهِ) بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (بِوَصِيَّةٍ) أَيْ فِيهَا لِلتُّهْمَةِ فَلَا تَصِحُّ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّهُ أَوْصَى لِي بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلِزَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ تَافِهٍ وَشَهِدَ لِغَيْرِهِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (قُبِلَ) مَا شَهِدَ بِهِ (لَهُمَا) مَعًا أَيْ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هَذَا الشَّاهِدُ حَلَفَ الْغَيْرُ مَعَهُ وَاسْتَحَقَّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ يَأْخُذُهُ بِالتَّبَعِ فَإِنْ نَكَلَ الْغَيْرُ بَطَلَ حَقُّ الشَّاهِدِ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ حِينَئِذٍ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذَا كُتِبَتْ الْوَصِيَّةُ بِكِتَابٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِأَنْ كَانَتْ بِخَطِّ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِخَطِّ الشَّاهِدِ أَوْ لَمْ تُكْتَبْ أَصْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ لَا لِنَفْسِهِ وَلَوْ قَلَّ لِاتِّهَامِهِ بِتَخْصِيصِ نَفْسِهِ بِلَا إذْنٍ وَكَذَا إذَا كُتِبَتْ بِكِتَابَيْنِ أَحَدُهُمَا بِوَصِيَّةِ الشَّاهِدِ وَالْآخَرُ بِوَصِيَّةِ الْآخَرِ أَيْ فَتَصِحُّ لِلْآخَرِ دُونَهُ لِعَدَمِ التَّبَعِيَّةِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ وَصِيَّةٍ كَدَيْنٍ مَثَلًا فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا لِلتُّهْمَةِ
(وَلَا) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مِنْ شَاهِدٍ (إنْ دَفَعَ) بِهَا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا (كَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ) خَطَأً إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ فَقِيرًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ إنْ دَفَعَ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا (أَوْ) شَهَادَةُ (الْمُدَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّهِ) أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقِصَاصٍ لِتُهْمَةِ دَفْعِ ضَرَرِ الطَّلَبِ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلِذَا لَوْ ثَبَتَ عُسْرُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ جَازَتْ لِسُقُوطِ مُطَالَبَتِهِ حِينَئِذٍ كَمَا تَجُوزُ مِنْ مَلِيءٍ وَلَوْ حَلَّ الدَّيْنُ
(وَلَا) شَهَادَةُ (مُفْتٍ عَلَى مُسْتَفْتِيهِ) (إنْ كَانَ) الِاسْتِفْتَاءُ (مِمَّا يَنْوِي) الْحَالِفُ (فِيهِ) أَيْ تُقْبَلُ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا وَادَّعَى نِيَّةَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَلِفِ فَأَفْتَاهُ الْمُفْتِي بِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ لِنِيَّتِهِ فَرَفَعَتْ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا لِقَاضٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مِنْهُمْ وَلَوْ كَثُرَ الشُّهُودُ مِنْهُمْ جِدًّا (قَوْلُهُ فَأَنَّى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ) أَيْ فَلَا تُقْبَلُ وَلَوْ كَثُرُوا إلَخْ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ بِمَعْنَى النَّفْيِ
(قَوْلُهُ وَلَا مَنْ شُهِدَ لَهُ بِكَثِيرٍ) الْأَوْلَى تَجْرِيدُهُ مِنْ لَا لِأَنَّهُ مُنْخَرِطٌ فِي سِلْكِ مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ بِكَثِيرٍ فِي نَفْسِهِ أَيْ لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا شَهِدَ بِهِ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ أَيْ شَأْنُهُ إلَخْ بَيَانٌ لِلْكَثِيرِ فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَلَا تَصِحُّ) أَيْ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِلتُّهْمَةِ بَطَلَ كُلُّهَا بِخِلَافِ مَا بَطَلَ بَعْضُهَا لِلسُّنَّةِ فَإِنَّهُ يَمْضِي مِنْهَا مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ فَقَطْ كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِوَصِيَّةٍ بِعِتْقٍ وَبِمَالٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْمَالِ كَمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ كَعَشَرَةٍ وَقَوْلُهُ أَوْ أَكْثَرَ أَيْ كَسِتِّينَ مَثَلًا (قَوْلُهُ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ) أَخَذَ الشَّارِحُ ذَلِكَ مِنْ حَذْفِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَعَلِّقَ الْمُؤْذِنَ بِالْعُمُومِ (قَوْلُهُ يَأْخُذُ بِالتَّبَعِ) أَيْ لِمَا يَأْخُذُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ لِأَنَّهُ لِيَسَارَتِهِ غَيْرُ مَنْظُورٍ لَهُ وَبِهَذَا يُلْغَزُ وَيُقَالُ دَعْوَى أُخِذَتْ بِشَاهِدٍ بِلَا يَمِينٍ أَوْ يُقَالُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِقَلِيلٍ وَلِغَيْرِهِ بِكَثِيرٍ لَا فِيمَا إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِقَلِيلٍ وَلِغَيْرِهِ بِقَلِيلٍ أَيْضًا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ كَمَا يَحْلِفُ غَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَطَلَ حَقُّ الشَّاهِدِ) أَيْ كَمَا يَبْطُلُ حَقُّ الْمَشْهُودِ لَهُ (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَبُولُهَا لَهُمَا إذَا شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِقَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَلَّ) أَيْ وَلَوْ قَلَّ مَا شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَالْبُطْلَانُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِلسُّنَّةِ لَا لِلتُّهْمَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِكَثِيرٍ أَوْ بِقَلِيلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ يَخْشَى مُعَاجَلَةَ الْمَوْتِ وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْمُوصَى لَهُ يُشْهِدُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ خَطَأً (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ فَقِيرًا إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَحْثًا وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَقَدْ أَبْقَى خش الْمُصَنِّفَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا أَيْ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ قَوْمِهِ بِشَهَادَتِهِ ضَرَرًا لَكِنْ بْن قَدْ رَدَّ عَلَى خش بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ صَوَابٍ (قَوْلُهُ أَوْ الْمُدَانُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَانَ وَهُوَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا كَانَ فَقِيرًا لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ يَشْهَدُ لَهُ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَوْلُهُ أَوْ الْمُدَانُ الْمُعْسِرُ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَلِيءٌ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ هَذَا مُرَادُ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِذَا لَوْ ثَبَتَ إلَخْ (قَوْلُهُ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَسِيرَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا كَانَ غَيْرُ الْمَالِ أَهَمَّ عِنْدَ الْمَشْهُودِ لَهُ مِنْ الْمَالِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّهُ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَدِينِ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِيمَا عَدَا الْمَالِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ وَلِذَا لَوْ ثَبَتَ عُسْرُهُ عِنْدَ حَاكِمٍ إلَخْ) الصَّوَابُ كَمَا فِي بْن نَقْلًا عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعُسْرِ هُنَا الْعُسْرَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ بَلْ الْفَقْرُ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَلِيئًا بِهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ حَتَّى يَصِحَّ الْقَدْحُ بِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَدِينِ الَّذِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ مَنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ مِنْهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ
(قَوْلُهُ وَلَا مُفْتٍ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute