لِيُلْزِمَهُ الطَّلَاقَ فَإِذَا طَلَبَتْ الْمُفْتِيَ لِيَشْهَدَ لَهَا عِنْدَ الْقَاضِي بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ لِأَنَّهُ حَيْثُ أَفْتَاهُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِلنِّيَّةِ قَدْ عُلِمَ مِنْ بَاطِنِ الْحَالِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَسْتَفْتِ بَلْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْوِي فِيهِ كَإِرَادَةِ مَيِّتَةٍ (رَفَعَ) الْمُفْتِي لِلْقَاضِي وَشَهِدَ وُجُوبًا عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مِنْ كَوْنِهِ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ وَاسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ أَوَّلًا أَوْ مَحْضَ حَقِّ آدَمِيٍّ
(وَلَا إنْ) (شَهِدَ) شَاهِدٌ لِشَخْصٍ (بِاسْتِحْقَاقٍ) لِمُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ (وَقَالَ أَنَا بِعْته لَهُ) أَيْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا تَصِحُّ لِاتِّهَامِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ وَجَعَلَهُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ وَأَنَا وَهَبْته لَهُ أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ قُبِلَتْ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْهَدْ وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ وَأَنَا وَهَبْته لَهُ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا وَرُجِّحَ
(وَلَا إنْ) (حَدَثَ) لِلشَّاهِدِ (فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ) وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا تُقْبَلُ لِدَلَالَةِ حُدُوثِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَامِنًا فِيهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْحُكْمِ مَضَى وَلَا يُنْقَضُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَيُنْقَضُ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَضَى بِفَاسِقَيْنِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَلَا حَاضِرٍ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا فِي تت (قَوْلُهُ لِيَلْزَمَهُ الطَّلَاقُ) أَيْ لِإِنْكَارِهِ وُقُوعَهُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَاهُ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ) أَيْ مِنْهُ حِينَ اسْتَفْتَاهُ فَلَوْ وَقَعَ وَشَهِدَ لَمْ تَنْفَعْهُ شَهَادَتُهُ (قَوْلُهُ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ) أَيْ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ بِالْحَالِ الْيَمِينُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْيَمِينِ الَّتِي يَحْكُمُ الْقَاضِي بِمُقْتَضَاهُ الْوُقُوعُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَنْوِي وَاَلَّذِي يَعْلَمُهُ الْمُفْتِي مِنْ بَاطِنِ الْيَمِينِ عَدَمُ الْوُقُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْوِي فَلَمَّا عَلِمَ الْمُفْتِي مِنْ بَاطِنِ الْيَمِينِ خِلَافَ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بِمَا سَمِعَهُ فَإِنْ شَهِدَ لَمْ تَنْفَعْ شَهَادَتُهُ (قَوْلُهُ بَلْ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ) أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا مَثَلًا ثُمَّ كَلَّمَهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ ذَلِكَ) أَيْ أَوْ بِعِتْقٍ أَوْ بِمُوجِبِ حَدٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ كَانَ إلَخْ أَيْ أَوْ اسْتَفْتَاهُ وَلَكِنْ كَانَ مَا اسْتَفْتَاهُ فِيهِ مِمَّا لَا يُنْوَى إلَخْ وَقَوْلُهُ كَإِرَادَةِ مَيِّتَةٍ أَيْ كَمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَكَلَّمَهُ وَقَالَ لِلْمُفْتِي أَرَدْت الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجَتِي فُلَانَةَ الَّتِي مَاتَتْ (قَوْلُهُ مِنْ كَوْنِهِ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ وَاسْتُدِيمَ تَحْرِيمُهُ) أَيْ فَلْيُبَادِرْ وُجُوبًا بِالرَّفْعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا أَيْ أَوْ لَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ فَيَرْفَعُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَقَوْلُهُ أَوْ مَحْضَ حَقِّ آدَمِيٍّ أَيْ فَيُرْفَعُ بَعْدَ الطَّلَبِ اهـ (فَرْعٌ) إذَا أَصْلَحَ إنْسَانٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا بِالصُّلْحِ وَلَا بِمَا وَقَعَ بِهِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الشَّهَادَةَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ أَنَا بِعْته لَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَشْهُودِ لَهُ هَذَا الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ بَاعَهُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الثُّبُوتُ فِي الشَّهَادَةِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ أَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ فَالْإِقْرَارُ أَقْوَى كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ وَاسْتَبْعَدَهُ شَيْخُنَا وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ خِلَافَهُ وَأَنَّهُ أَحْرَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِهَذَا الْحُكْمِ (قَوْلُهُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى رُجُوعِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ) أَيْ الَّذِي دَفَعَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ وَأَنَا وَهَبْته لَهُ أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْهِ قُبِلَتْ إلَخْ) أَصْلُ هَذَا الْكَلَامِ لعج عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ وَقَدْ بَنُوهُ عَلَى تَعْلِيلِ عَدَمِ الْقَبُولِ بِدَفْعِ تُهْمَةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إنْ لَمْ يُشْهِدْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ أَصْلُهَا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالنَّقْلُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بُطْلَانِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ كَوْنُهَا شَهَادَةً عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ مِنْ التَّمْلِيكِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا قَالَ وَأَنَا بِعْته لَهُ أَوْ وَهَبْته لَهُ فَقَدْ شَهِدَ عَلَى تَمْلِيكِهِ إيَّاهُ وَهُوَ فِعْلُ نَفْسِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ لَا تَصِحُّ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِعْته لَهُ وَوَهَبْته لَهُ كَمَا فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ وَغَيْرِهِ اُنْظُرْ بْن وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَوْنُهَا شَهَادَةً عَلَى فِعْلِ النَّفْسِ تَعْلَمُ سُقُوطَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَانِعُ فِيهَا الْحِرْصَ عَلَى الْقَبُولِ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهَا عَقِبَهُ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عِنْدَهُ وَجَعْلُهُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَا إنْ حَدَثَ) أَيْ وَلَا إنْ ثَبَتَ حُدُوثُ فِسْقٍ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ الثُّبُوتُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا لَوْ اُتُّهِمَ بِحُدُوثِهِ فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ لِدَلَالَةِ حُدُوثِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَامِنًا فِيهِ) أَيْ وَلِهَذَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمُصَنِّفَ بِالْفِسْقِ الَّذِي يَسْتَتِرُ بَيْنَ النَّاسِ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَزِنًا لَا نَحْوِ قَتْلٍ وَقَذْفٍ وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ الْحَادِثَ فِي الشَّاهِدِ بَعْدَ الْأَدَاءِ إنْ كَانَ مِمَّا يَسْتَتِرُ عَنْ النَّاسِ كَزِنًا وَشُرْبِ خَمْرٍ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْفِسْقِ فِيهِ وَأَنَّهُ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ وَقْتَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الْقَتْلُ وَالْقَذْفُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ كَالْأَوَّلِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا تَبْطُلُ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَلَفْظُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ حَدَثَ فِسْقٌ بَعْدَ الْأَدَاءِ بَطَلَتْ مُطْلَقًا وَقِيلَ إلَّا بِنَحْوِ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ اهـ بْن وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ وَيَقُولَانِ وَرَأَيْنَاهُ يَطَؤُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةً لِأَنَّ قَوْلَهُمَا ذَلِكَ قَذْفٌ وَقَدْ حَكَى ح خِلَافًا فِي حَدِّهِمَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ قَذْفًا وَعَدَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute