للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِخِلَافِ تُهْمَةِ جَرٍّ) بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا تَضُرُّ كَشَهَادَتِهِ بِطَلَاقِ امْرَأَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ شَهِدَ لَهَا بِحَقٍّ عَلَى آخَرَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ (وَ) بِخِلَافِ تُهْمَةِ (دَفْعٍ) كَشَهَادَتِهِ بِفِسْقِ رَجُلٍ ثُمَّ شَهِدَ الرَّجُلُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا خَطَأً وَالشَّاهِدُ بِالْفِسْقِ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ بِالْفِسْقِ (وَعَدَاوَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى جَرٍّ أَيْ وَتُهْمَةِ عَدَاوَةٍ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ تُهْمَةَ الْعَدَاوَةِ مُبْطِلَةٌ لِلشَّهَادَةِ فِي قَوْلِهِ كَقَوْلِهِ بَعْدَهَا تَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ مُخَاصِمًا فَوَجَبَ عَطْفُهُ عَلَى تُهْمَةٍ فَلَوْ قَالَ بِخِلَافِ عَدَاوَةِ وَتُهْمَةِ جَرٍّ وَدَفْعٍ كَانَ أَصْوَبَ أَيْ أَنَّ حُدُوثَ الْعَدَاوَةِ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَضُرُّ حَيْثُ تَحَقَّقَ حُدُوثُهَا

(وَلَا) إنْ شَهِدَ (عَالِمٌ عَلَى مِثْلِهِ) حَيْثُ ظُنَّ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ مِنْ تَحَاسُدٍ وَتَبَاغُضٍ كَمَا قَدْ يَقَعُ لِبَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ وَإِلَّا قُبِلَتْ لِأَنَّ شَهَادَةَ ذَوِي الْفَضْلِ عَلَى بَعْضِهِمْ مَقْبُولَةٌ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ دَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَبُولِهَا مُطْلَقًا

(وَلَا) شَهَادَةُ الشَّاهِدِ (إنْ أَخَذَ) شَيْئًا (مِنْ الْعُمَّالِ) الْمَضْرُوبِ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فِي صَرْفِ الْأَمْوَالِ فِي وُجُوهِهَا كَالْمُلْتَزِمِينَ الْآنَ فَإِنَّ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ صَرْفَ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجْبُونَهَا مِنْ الْمُزَارِعِينَ فِي مَصَارِيفِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَإِنَّمَا هُمْ مُجَرَّدُ جُبَاةٍ يَجْبُونَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ مَا عَلَى الْمُزَارِعِينَ مِنْ الْخَرَاجِ وَلَكِنَّهُمْ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ظُلْمًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ إنَّمَا هِيَ أَمْوَالُ النَّاسِ فَالْأَخْذُ مِنْهُمْ مُسْقِطٌ لِلشَّهَادَةِ (أَوْ أَكَلَ عِنْدَهُمْ) أَكْلًا مُتَكَرِّرًا لِأَنَّهُ مِمَّا يُزْرِي بِهِ وَيَحُطُّ قَدْرَهُ وَيُسْقِطُ مُرُوءَتَهُ وَكَذَا يُقَيَّدُ الْأَخْذُ بِالتَّكْرَارِ وَمَحَلُّ التَّقْيِيدِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ أَوْ الْمَأْكُولَ مِنْهُ مَغْصُوبٌ وَإِلَّا كَانَ مُسْقِطًا وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ (بِخِلَافِ الْخُلَفَاءِ) وَالْعُمَّالِ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ صَرْفُ الْأَمْوَالِ فِي وُجُوهِهَا الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ الْأَخْذُ مِنْهُمْ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُمْ

ــ

[حاشية الدسوقي]

بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ الْمَرْمِيُّ بِهِ زِنًا فَانْظُرْهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ جَرَّ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعَ الْمَضَرَّةِ يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ ذَكَرَ أَنَّ ظُهُورَ التُّهْمَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا لِخِفَّةِ التُّهْمَةِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَشَهَادَتِهِ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ خَطَبَهَا قَبْلَ زَوَاجِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِطَلَاقِهَا وَإِلَّا رُدَّتْ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ لَهَا بِحَقٍّ إلَخْ) أَيْ فَذَلِكَ الشَّاهِدُ يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ شَهِدَ لَهَا لِأَجْلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ تِلْكَ التُّهْمَةُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ كَشَهَادَتِهِ بِفِسْقِ رَجُلٍ) أَيْ شَهِدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ بِدَيْنٍ مَثَلًا وَقَوْلُهُ ثُمَّ شَهِدَ الرَّجُلُ أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفِسْقِهِ فِي الشَّهَادَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ كَمَا لَوْ شَهِدَ زَيْدٌ بِفِسْقِ عَمْرٍو الشَّاهِدِ بِدَيْنٍ ثُمَّ إنَّ عَمْرًا شَهِدَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفِسْقِهِ عَلَى بَكْرٍ أَنَّهُ قَتَلَ خَالِدًا خَطَأً وَزَيْدٌ الشَّاهِدُ بِفِسْقِ عَمْرٍو مِنْ عَاقِلَةِ بَكْرٍ فَشَهَادَةُ زَيْدٍ بِفِسْقِ عَمْرٍو صَحِيحَةٌ وَلَا يَضُرُّ تُهْمَةُ زَيْدٍ فِي شَهَادَتِهِ بِأَنَّهُ قَصَدَ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ عَاقِلَةِ بَكْرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَيْدًا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ بِفِسْقِ عَمْرٍو لِأَجْلِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ تِلْكَ التُّهْمَةُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ عَدَاوَةٍ) أَيْ حُدُوثِهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ حَيْثُ تَحَقَّقَ حُدُوثُهَا) أَيْ وَأَمَّا لَوْ احْتَمَلَ تَقَدُّمَهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنَّهَا تَضُرُّ كَمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ كَقَوْلِهِ أَتَتَّهِمُنِي وَتُشَبِّهُنِي بِالْمَجَانِينِ مُخَاصِمًا فَمَا مَرَّ عَدَاوَةٌ مُحَقَّقٌ سَبْقُهَا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ مُحْتَمَلٌ وَمَا هُنَا حَادِثَةٌ تَحْقِيقًا

(قَوْلُهُ وَلَا عَالِمٌ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَالِمٍ عَلَى مِثْلِهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى مَنْ ثَبَتَ التَّحَاسُدُ أَوْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ أَوْ ظُنَّ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لعبق وَبَحَثَ فِيهِ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ بِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ بَيْنَهُمْ ذَلِكَ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ مُطْلَقًا حَتَّى فِي غَيْرِهِمْ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُنَصَّ عَلَيْهِمْ وَأَجَابَ شَارِحُنَا عَنْ بَحْثِ مَيَّارَةَ بِقَوْلِهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مُطْلَقًا فَأَفَادَ أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ

(قَوْلُهُ كَالْمُلْتَزِمِينَ) أَيْ وَكَالْعَامِلِ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْمُلْتَزِمُ لِجِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ الْتِزَامِهِ وَيَجْعَلُ لَهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مَأْكَلَهُ وَمَشْرَبَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مَعَ ذَلِكَ الْعَامِلِ وَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِالْأَكْلِ مَعَ ذَلِكَ الْعَامِلِ وَبِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ إذَا دَفَعَهُ لَهُ مِمَّا يَجْبِيهِ مِنْ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لِأَنَّ صَاحِبَ الِالْتِزَامِ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِهِ فَقَطْ وَهَذَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا لِأَكْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَإِلَّا جَازَ الْأَكْلُ مَعَهُ وَلَكِنْ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِإِخْلَالِهِ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ وَالْعُمَّالُ الَّذِينَ جَعَلَ لَهُمْ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالْبَاشَاوَاتِ وَالْأُمَرَاءِ الَّذِينَ يُوَلَّوْنَ مِنْ طَرَفِ السُّلْطَانِ عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ وَصَرْفِ الْأَمْوَالِ فِي جِهَاتِهَا وَقَسَّمَ ابْنُ رُشْدٍ مَا بِيَدِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمْ صَرْفُ الْأَمْوَالِ فِي وُجُوهِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا لَكِنْ لَا يَعْدِلُونَ فِي قَسْمِهِ فَهَذَا الْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ قَبُولِهِ مِنْهُمْ وَقِيلَ يُكْرَهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِطًا فَهَذَا الْأَكْثَرُ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ قَبُولُهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ حَرَامًا وَهَذَا قِيلَ يَحْرُمُ أَخْذُهُ مِنْهُمْ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَجُوزُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ فَلَهُ حُكْمُ الْحَلَالِ وَفِيهِ كَرَاهَةٌ ضَعِيفَةٌ اهـ بْن

<<  <  ج: ص:  >  >>