للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَنْ قَدَحَ بِذَلِكَ فِي الْمُبَرِّزِ أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا مِثْلَهُ وَأَمَّا لَوْ قَدَحَ بِغَيْرِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ فَلَا يُسْمَعُ قَدْحُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ هُوَ كَالْمُتَوَسِّطِ يَقْدَحُ فِيهِ بِكُلِّ قَادِحٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (كَغَيْرِهِمَا) أَيْ كَمَا يَقْدَحُ فِي الْمُبَرِّزِ بِغَيْرِهِمَا (عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَرُجِّحَ لِأَنَّ الْجَرْحَ مِمَّا يَكْتُمُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَكَادُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ الْأَفْرَادِ فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا كَانَ شَهَادَةً عِنْدَهُ يُؤَدِّيهَا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ

(وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ وَالْفِسْقِ بِهِ) مِنْ شَاهِدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِأَحَدِهِمَا وَأَرَادَ الشَّهَادَةَ ثَانِيًا بِحَقٍّ غَيْرِ الْأَوَّلِ يُعْرَفُ (بِمَا) أَيْ بِقَرَائِنَ (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ) زَوَالُهُمَا بِهَا فَفِي الْعَدَاوَةِ بِرُجُوعِهِمَا لِمَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَحَبَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةُ الْحِرْصِ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ فِيمَا رُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَفِي الْفِسْقِ بِالتَّوْبَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ (بِلَا حَدٍّ) بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَنَةٍ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ

(وَمَنْ) أَيْ وَالشَّخْصُ الَّذِي (امْتَنَعَتْ) الشَّهَادَةُ (لَهُ) لِنَحْوِ قَرَابَةٍ مُؤَكَّدَةٍ كَالْأَبِ (لَمْ يُزَكِّ) مَمْنُوعُ الشَّهَادَةِ (شَاهِدَهُ) أَيْ شَاهِدَ مَنْ مُنِعَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ مُنِعَتْ شَهَادَتُك لَهُ كَأَبِيك لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تُزَكِّيَ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِحَقٍّ لِأَنَّك تَجُرُّ بِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا (وَ) لَمْ (يُجَرِّحْ شَاهِدًا عَلَيْهِ) بِحَقٍّ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْهُ بِذَلِكَ ضَرَرًا فَقَوْلُهُ وَيُجَرِّحُ عَطْفٌ عَلَى يُزَكِّ (وَمَنْ) أَيْ وَالشَّخْصُ الَّذِي (امْتَنَعَتْ) شَهَادَتُك (عَلَيْهِ) لِعَدَاوَةٍ بَيْنَكُمَا (فَالْعَكْسُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَك تَجْرِيحُ مَنْ شَهِدَ لَهُ وَلَا تَزْكِيَةُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَلْبِ الْمَضَرَّةِ لِعَدُوِّك فِي الْحَالَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَكْسِ عَكْسُ الْحُكْمِ السَّابِقِ أَيْ يُزَكِّي شَاهِدَهُ وَيُجَرِّحُ شَاهِدًا عَلَيْهِ

ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِمَّا أَفَادَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ انْتَفَى عَنْهُ شَرْطُ الشَّهَادَةِ أَوْ قَامَ بِهِ مَانِعُهَا قَوْلُهُ (إلَّا الصِّبْيَانَ) فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ بِشُرُوطٍ (لَا نِسَاءً) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الصِّبْيَانِ (فِي كَعُرْسٍ) أَيْ فِي اجْتِمَاعِهِنَّ فِي عُرْسٍ وَنَحْوِهِ كَالْحَمَّامِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْمَأْتَمِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ سَاكِنَةٌ الْحُزْنُ وَأَشَارَ إلَى مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الصِّبْيَانِ دُونَ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ (فِي جَرْحٍ)

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ هَذَا إذَا حَصَلَ الْقَدْحُ فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ بَلْ وَإِنْ حَصَلَ الْقَدْحُ فِيهِ مِنْ دُونِهِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْقَادِحُ فِي الْمُبَرِّزِ دُونَ ذَلِكَ الْمُبَرِّزِ فِي الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ فِيمَنْ قَدَحَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْعَدَاوَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ) أَيْ بِأَنْ قَدَحَ فِيهِ بِالْفِسْقِ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ وَقَوْلُهُ فَلَا يُسْمَعُ قَدْحُهُ أَيْ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ الْمُبَرِّزُ لَا يُجْرَحُ بِالْفِسْقِ

(قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْعَدَاوَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الشَّاهِدَ شَهِدَ بِشَيْءٍ ثُمَّ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِعَدَاوَةٍ أَوْ فِسْقٍ ثُمَّ زَالَتَا مِنْهُ وَشَهِدَ بِحَقٍّ آخَرَ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا عُلِمَ زَوَالُهُمَا مِنْهُ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهُمَا بِهَا (قَوْلُهُ بِحَقٍّ غَيْرِ الْأَوَّلِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ الشَّهَادَةَ بِالْأَوَّلِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِحَالٍ لِأَنَّهَا قَدْ رُدَّتْ أَوَّلًا لِمَانِعٍ فَلَا تُقْبَلُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فِيمَا رُدَّتْ فِيهِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ تُهْمَةٌ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ فِي رُجُوعِهِمَا لِحَالِهِمَا تُهْمَةٌ إلَخْ وَلَوْ قَالَ فَلَيْسَ فِي الشَّهَادَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِمَا لِحَالِهِمَا تُهْمَةُ الْحِرْصِ إلَخْ كَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِي الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ تُهْمَةُ الْحِرْصِ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ لِأَنَّ الْحِرْصَ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فِيمَا رُدَّتْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَجْلِهِ وَأَمَّا أَدَاؤُهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ فِي غَيْرِ مَا رُدَّ فِيهِ فَلَيْسَ فِي التُّهْمَةِ الْمَذْكُورَةِ

(قَوْلُهُ لَمْ يُزَكِّ مَمْنُوعٌ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ الْفِعْلِ عَائِدٌ عَلَى مَنْ (قَوْلُهُ تَجُرُّ لَهُ بِذَلِكَ) أَنْ بِتَزْكِيَتِك لِشَاهِدِهِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ لَك تَجْرِيحُ مَنْ شَهِدَ لَهُ) هَذَا التَّفْسِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَكْسِ الْعَكْسُ فِي التَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ أَيْ يُزَكِّي إلَخْ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُزْكِيَ شَاهِدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْرَحَ شَاهِدًا عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى إلَخْ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا الصِّبْيَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ السَّابِقِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ إلَّا شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ أَيْ فَإِنْ انْتَفَتْ الشُّرُوطُ مِنْ الْبُلُوغِ وَنَحْوِهِ لَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ إلَّا الصِّبْيَانَ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَوْضُوعَ يُؤْخَذُ عَامًّا أَيْ مُطْلَقَ شَهَادَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْطُوقِ أَيْ مَنْطُوقِ قَوْلِهِ الْعَدْلُ حُرٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ بِلَا فِسْقٍ وَحَجْرٍ إلَخْ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا ثُمَّ إنَّهُ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَالنَّصْبُ مُتَعَيِّنٌ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِيِّينَ وَأَمَّا عَلَى الِاتِّصَالِ فَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فَإِنْ قَدَّرَ مَرْفُوعًا جَازَ رَفْعُ الْمُسْتَثْنَى اتِّبَاعًا وَجَازَ نَصْبُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ فَاقِدِ الشُّرُوطِ إلَّا الصِّبْيَانَ وَإِنْ قُدِّرَ مَجْرُورٌ جَازَ جَرُّ الْمُسْتَثْنَى اتِّبَاعًا وَنَصْبُهُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ) أَيْ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْجَرْحُ.

(قَوْلُهُ لَا نِسَاءً فِي كَعُرْسٍ) سُقُوطُ شَهَادَتِهِنَّ فِي كَعُرْسٍ ظَاهِرُ الْجَلَّابِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَجَعَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ فِيهِ وَالْفَرْقُ لِلْمَشْهُورِ أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا اهـ بْن (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَخْ) فِي هَذَا الدُّخُولِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي جُرْحٍ أَوْ قَتْلٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>