للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ وَقِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي اعْتِمَادِهِمْ عَلَى ذَلِكَ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ أَوْ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ فَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَغَيْرِهِمْ بِمَعْنَى أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ وَرُجِّحَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ إنَّمَا جَازَتْ لِلضَّرُورَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِمَا تُدْرِكُهُ حَوَاسُّهُ قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَتَكُونُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِهَا كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (بِمِلْكٍ لِحَائِزٍ) فَلَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ (مُتَصَرِّفٍ) حَوْزًا (طَوِيلًا) فَطَوِيلًا مُتَعَلِّقٌ بِحَائِزٍ لَا بِمُتَصَرِّفٍ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ لَا يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ بَلْ وَلَا طُولِ الْحِيَازَةِ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ فَالصَّوَابُ حَذْفُ مُتَصَرِّفٍ طَوِيلًا مِنْ هُنَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطَانِ فِي الْحِيَازَةِ الْآتِيَةِ أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحِيَازَةِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ) بَتًّا عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ بِالْمِلْكِ يَعْنِي إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِ دَارٍ مَثَلًا لِشَخْصٍ بَتًّا وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِمِلْكِهَا الْآخَرِ سَمَاعًا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ عَلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ فَيُنْزَعُ بَيِّنَةُ الْبَتِّ مِنْ الْحَائِزِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْبَتِّ لَكَانَ أَصْوَبَ (إلَّا بِسَمَاعٍ) أَيْ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةُ السَّمَاعِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِسَمَاعٍ لِلتَّعْدِيَةِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ) أَيْ بَلْ لَوْ قَالُوا لَمْ نَزَلِ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حَبْسٌ أَوْ مِلْكٌ لِفُلَانٍ لَكَفَى وَإِنْ زَادُوا ذِكْرَ ذَلِكَ أَيْ السَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ فِي شَهَادَتِهِمْ فَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ.

(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبَاجِيَّ إذْ قَالَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ الْعُدُولِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ سَلْمُونٍ وَابْنِ فَتُّوحٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَقَرَّهُ وَحَمَلَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقَ كَذَا فِي بْن عَنْ طفى (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي اعْتِمَادِهِمْ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي اعْتِمَادِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لَا تَفَرُّعَ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ وَلَا كَلَامَ وَأَمَّا اعْتِمَادُهُمْ فَفِيهِ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى تَحْكِي الْخِلَافَ أَيْضًا فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إلَّا إذَا اعْتَمَدَ الشُّهُودُ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَكْفِي فِي قَبُولِهِمْ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى سَمَاعٍ فَاشٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الثِّقَاتِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ تَقُولُ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي نُطْقِ الشُّهُودِ وَأَمَّا الِاعْتِمَادُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الَّتِي مَالَ إلَيْهَا بْن حَيْثُ قَالَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي النُّطْقِ لَا فِي الِاعْتِمَادِ اهـ.

وَقَوْلُ الشَّارِحِ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الثِّقَاتِ إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَوْ يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمِلْكٍ) مُتَعَلِّقٌ بِضَمِيرِ جَازَتْ الْعَائِدِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إعْمَالِ الْمَصْدَرِ مُضْمَرًا وَأَمَّا قَوْلُهُ بِسَمَاعٍ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِجَازِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ لِحَائِزٍ حَوْزًا طَوِيلًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهَا جَائِزَةٌ بِسَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ ثِقَاتٍ وَغَيْرِهِمْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا حَازَ عَقَارًا مُدَّةً طَوِيلَةً كَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ عَلَى مَا يَأْتِي وَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهَا بِهَدْمٍ أَوْ قَلْعِ شَجَرٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَشَاعَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ مَالِكُهُ فَيَجُوزُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ لِذَلِكَ الْحَائِزِ إذَا نَازَعَهُ غَيْرُهُ بِالْمِلْكِ بِأَنْ تَقُولَ لَمْ نَزَلِ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ مِلْكٌ لِذَلِكَ الْحَائِزِ (قَوْلُهُ فَلَا يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ) لَعَلَّ الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ هُنَا لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَطَوِيلًا مُتَعَلِّقٌ بِحَائِزٍ) أَيْ مُرْتَبِطٌ بِهِ فَالْمُشْتَرَطُ فِيهِ الطُّولُ كَأَرْبَعِينَ أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً إنَّمَا هُوَ الْحَوْزُ وَأَمَّا التَّصَرُّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُدَّةِ الْحِيَازَةِ الَّتِي هِيَ عِشْرُونَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعُونَ (قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ وَطُولَ الْحِيَازَةِ إنَّمَا يُشْتَرَطَانِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ بَتًّا وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ سَمَاعًا فَيَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْحَوْزِ فَالشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ عَلَى وَجْهِ الْبَتِّ يَعْتَمِدُ فِي الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَنِسْبَتِهَا مَعَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَطُولِ الْحِيَازَةِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ بِالْمِلْكِ عَلَى وَجْهِ السَّمَاعِ فَيَعْتَمِدُ فِي شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ عَلَى الْحِيَازَةِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَصَرُّفٌ اهـ.

لَكِنْ قَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا طُولِ الْحِيَازَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ بِالْمِلْكِ الْمُحَازِ طُولَ زَمَنِ السَّمَاعِ كَعِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا طَالَ زَمَنُ الْحَوْزِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَصْوَبَ) أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ لَا أَنَّ إحْدَاهُمَا شَهِدَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>