للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاتِلُ، فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ) فَيَكُونُ هَدَرًا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ الْمَقْتُولُ قَتَلَنِي فُلَانٌ أَمْ لَا قَامَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ الْبُغَاةِ أَمْ لَا؛ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكَانَ لَوْثًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي النَّقْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ) لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ (إنْ تَجَرَّدَ) الْقَتْلُ (عَنْ تَدْمِيَةٍ و) عَنْ (شَاهِدٍ) وَأَمَّا لَوْ قَالَ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ شَاهِدٌ، فَالْقَسَامَةُ، وَالْقَوَدُ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْعُتْبِيَّةِ (أَوْ) لَا قَسَامَةَ إنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ (عَنْ الشَّاهِدِ فَقَطْ) بَلْ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ قَتَلَنِي فُلَانٌ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ قَوْلِ الْوُلَاةِ بِالْأَوْلَى وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَامَ شَاهِدٌ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ لَكَانَ لَوْثًا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ، وَالْقَوَدَ، وَهُوَ تَأْوِيلُ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ لِلْمُدَوَّنَةِ (تَأْوِيلَاتٌ) ثَلَاثَةٌ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَكِنْ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ الثَّانِي وَمَفْهُومُ لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ بِبَيِّنَةٍ لَاقْتُصَّ مِنْهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ (وَإِنْ تَأَوَّلُوا) أَيْ الْجَمَاعَةُ الطَّائِفَتَانِ بِأَنْ قَامَ لِكُلٍّ شُبْهَةٌ تَقْتَضِي جَوَازَ الْمُقَاتَلَةِ (فَهَدَرٌ) أَيْ، فَالْمَقْتُولُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ هَدَرٌ وَلَوْ تَأَوَّلَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَدَمُ الْمُتَأَوِّلَةِ قِصَاصٌ، وَالْأُخْرَى هَدَرٌ وَأَوْلَى ظَالِمَةٌ زَحَفَتْ عَلَى غَيْرِهَا فَدَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَدَمُ الزَّاحِفَةِ هَدَرٌ وَدَمُ الدَّامِغَةِ قِصَاصٌ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (كَزَاحِفَةٍ) ظُلْمًا (عَلَى دَافِعَةٍ) عَنْ نَفْسِهَا.

وَلَمَّا قَدَّمَ سَبَبَ الْقَسَامَةِ ذَكَرَ تَفْسِيرَهَا بِقَوْلِهِ (وَهِيَ) أَيْ الْقَسَامَةُ مِنْ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ (خَمْسُونَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً) فَلَا تُفَرَّقُ عَلَى أَيَّامٍ، أَوْ أَوْقَاتٍ (بَتًّا) أَيْ قَطْعًا بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لِمَنْ ضَرْبِهِ مَاتَ، أَوْ لَقَدْ قَتَلَهُ وَاعْتَمَدَ الْبَاتُّ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَظُنُّ، أَوْ فِي ظَنِّي (وَإِنْ أَعْمَى، أَوْ غَائِبًا) حَالَ الْقَتْلِ لِاعْتِمَادِ كُلٍّ عَلَى اللَّوْثِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ (بِحَلِفِهَا فِي الْخَطَإِ مَنْ يَرِثُ الْمَقْتُولَ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ (وَإِنْ وَاحِدًا، أَوْ امْرَأَةً) وَلَوْ أُخْتًا لِأُمٍّ وَتُوَزَّعُ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي حُصُولِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا وَاحِدٌ، أَوْ امْرَأَةٌ فِي الْخَطَإِ حَلَفَ الْجَمِيعُ وَأَخَذَ حَظَّهُ مِنْ سُدُسٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَسَقَطَ مَا عَلَى الْجَانِي مِنْ الدِّيَةِ

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ الْقَاتِلُ لَهُمْ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هَدَرًا) نَحْوُهُ فِي عبق وخش وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَنَقَلَهُ طفى عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَاعْتَرَضَهُ طفى قَائِلًا لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَالْأَبِيُّ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ فِي قَتِيلِ الصَّفَّيْنِ أَنَّهُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْفِئَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْفِئَتَيْنِ فَدِيَتُهُ عَلَيْهِمَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، فَهَلْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ يَعْنِي وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى الْفِئَةِ الَّتِي نَازَعَتْهُ كَمَا حَمَلْت عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّهُ هَدَرٌ اهـ بْن.

(قَوْلُهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ) أَيْ الشَّاهِدُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِتَقْيِيدِ الشَّاهِدِ بِكَوْنِهِ مِنْ الْبُغَاةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِكَوْنِ الْمَقْتُولِ هَدَرًا، أَوْ فِيهِ الدِّيَةُ (قَوْلُهُ، أَوْ لَا قَسَامَةَ وَلَا قَوَدَ إنْ تَجَرَّدَ عَنْ تَدْمِيَةٍ وَشَاهِدٍ) هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَخَوَيْنِ وَأَصْبَغَ وَأَشْهَبَ وَتَأْوِيلُ الْأَكْثَرِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ اهـ بْن (قَوْلُهُ، أَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ شَاهِدٌ) قَيَّدَهُ فِي الْبَيَانِ بِكَوْنِهِ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَهُوَ لَوْثٌ بِلَا خِلَافٍ اُنْظُرْ بْن وَمَفْهُومُ شَاهِدٍ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ شَاهِدَانِ، فَالْقَوَدُ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ كَمَا قَالَ بْن وَقَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: تَقْتَضِي جَوَازَ الْمُقَاتَلَةِ) أَيْ تَقْتَضِي جَوَازَ مُقَاتَلَتِهَا لِلْأُخْرَى كَكَوْنِهَا أَخَذَتْ مَالَهَا وَأَوْلَادَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى هَدَرٌ) أَيْ وَدَمُ الْأُخْرَى، وَهِيَ غَيْرُ الْمُتَأَوِّلَةِ هَدَرٌ.

(قَوْلُهُ: كَزَاحِفَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ) الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَأَوَّلُوا أَنَّ التَّأْوِيلَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا حَمَلَ الشَّارِحُ وَتَقْدِيرُ كَلَامِهِ كَإِهْدَارِ دِمَاءِ طَائِفَةٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ زَاحِفَةٍ بَاغِيَةٍ عَلَى دَافِعَةٍ فَقَوْلُهُ عَلَى دَافِعَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَهُوَ بَاغِيَةٍ كَمَا قَرَّرْنَا (قَوْلُهُ: فَدَمُ الزَّاحِفَةِ هَدَرٌ وَدَمُ الدَّافِعَةِ قِصَاصٌ) اُنْظُرْ لَوْ قُتِلَ أَحَدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ الدَّافِعَةِ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ جَمِيعُ الْجَمَاعَةِ الْبَاغِيَةِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَمَالِئُونَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا اهـ بْن

(قَوْلُهُ مُتَوَالِيَةً) أَيْ فِي نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ أَرْهَبُ وَأَوْقَعُ فِي النَّفْسِ فَلَا تُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ وَلَا فِي أَوْقَاتٍ وَلَكِنْ فِي الْعَمْدِ يَحْلِفُ هَذَا يَمِينًا، وَهَذَا يَمِينًا حَتَّى تَتِمَّ أَيْمَانُهَا وَلَا يَحْلِفُ وَاحِدٌ جَمِيعَ حَظِّهِ قَبْلَ حَظِّ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ إذَا نَكَلَ فِيهِ وَاحِدٌ بَطَلَ الدَّمُ، وَإِذَا بَطَلَ بِنُكُولِ وَاحِدٍ فَلَوْ حَلَفَ كُلٌّ حِصَّتَهُ وَنَكَلَ ذَاكَ ذَهَبَتْ أَيْمَانُهُمْ بِلَا فَائِدَةٍ فَلِذَا قُلْنَا هَذَا يَمِينًا، وَهَذَا يَمِينًا وَأَمَّا فِي الْخَطَإِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَ مَا يَنُوبُهُ قَبْلَ حَلِفِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَكَلَ لَا يَبْطُلُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَلَكِنْ فِي الْعَمْدِ إنْ وَقَعَ وَحَلَفَ كُلٌّ مَا يَنُوبُهُ قَبْلَ أَصْحَابِهِ صَحَّ، لَكِنْ فِي ابْنِ مَرْزُوقٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى قَيْدِ التَّوَالِي لِأَحَدٍ غَيْرِ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: بَتًّا) أَيْ لَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ الْبَاتَّ) أَيْ الْحَالِفُ بَتًّا فِي جَزْمِهِ فِي الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ) أَيْ نَاشِئٍ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ أَظُنُّ) أَيْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَظُنُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ، أَوْ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ فِي ظَنِّي، أَوْ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَتَلَهُ غَيْرَ هَذَا (قَوْلُهُ، وَإِنْ أَعْمَى، أَوْ غَائِبًا) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ الْحَالِفُ أَعْمَى، أَوْ كَانَ غَائِبًا (قَوْلُهُ: لِاعْتِمَادِ كُلٍّ عَلَى اللَّوْثِ إلَخْ) أَيْ، وَالْعِلْمُ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمُعَايَنَةِ يَحْصُلُ بِسَمَاعِ الْخَبَرِ وَحِينَئِذٍ، فَالْغَيْبَةُ، وَالْعَمَى لَا يَمْنَعَانِ حُصُولَ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَتُوَزَّعُ إلَخْ) أَيْ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>