للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا سَكْرَانَ بِحَلَالٍ (فَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُعَاهَدُ، وَإِنْ) سَرَقُوا (لِمِثْلِهِمْ) أَيْ مِنْ مِثْلِهِمْ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْحَقُّ فِي الْقَطْعِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُسْتَثْنَى أَحَدٌ (إلَّا) (الرَّقِيقَ) يَسْرِقُ (لِسَيِّدِهِ) نِصَابًا فَلَا يُقْطَعُ وَلَوْ رَضِيَ السَّيِّدُ وَكَذَا إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ رَقِيقِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ وَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى السَّيِّدِ عُقُوبَتَانِ ضَيَاعُ مَالِهِ وَقَطْعُ غُلَامِهِ وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: لِسَيِّدِهِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مَالَ أَصْلِ سَيِّدِهِ أَوْ فَرْعِهِ قُطِعَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ.

(وَثَبَتَتْ) السَّرِقَةُ (بِإِقْرَارٍ) (إنْ طَاعَ) بِهِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ بِسَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ (فَلَا) يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا أَمْ لَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ) لِاحْتِمَالِ وُصُولِ اسْمِ الْمَسْرُوقِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ عَيَّنَ الْقَتِيلَ) الَّذِي أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِقَتْلِهِ فَأَقَرَّ وَأَخْرَجَهُ كَمَا فِي النَّقْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ غَيْرَهُ قَتَلَهُ فَلَا يَقَعُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ آمِنًا كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ بِإِكْرَاهِهِ وَبِهِ الْحُكْمُ أَيْ إنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ فَيَجُوزُ سَجْنُهُ وَضَرْبُهُ وَيُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَتُؤُوِّلَتْ فِي مَحَلٍّ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْأَوْفَقُ بِقَوَاعِد الشَّرْعِ وَفِي نُسْخَةٍ، وَإِنْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ وَأَخْرَجَ الْقَتِيلَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُ كُلٍّ وَإِظْهَارُهُ فَكَانَ مُرَادُهُ تَعْيِينَ مَحَلِّ مَا ذَكَرَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ سَرَقَ فَيَكُونُ بِالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ وَالْقَيْدِ فَإِذَا خُوِّفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَأَقَرَّ بِهَا فَلَا تَلْزَمُهُ السَّرِقَةُ عَلَى مَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَلَا سَكْرَانُ بِحَلَالٍ) أَيْ لِأَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ وَأَمَّا السَّكْرَانُ بِحَرَامٍ إذَا سَرَقَ حَالَ سُكْرِهِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لَكِنْ يُنْتَظَرُ صَحْوُهُ، فَإِنْ قُطِعَ قَبْلَ صَحْوِهِ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ بِحَرَامٍ حَيْثُ شَكَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَالَتُهُ ظَاهِرَةً فِي خِلَافِ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَى الْأَوَّلِ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ.

(قَوْلُهُ: فَيُقْطَعُ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا وُجِدَ التَّكْلِيفُ فَيُقْطَعُ الشَّخْصُ الْحُرُّ إلَخْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لِمِثْلِهِمْ) اُعْتُرِضَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْمُبَالَغَةِ بِالنِّسْبَةِ لِسَرِقَةِ الْحُرِّ مِنْ مِثْلِهِ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْقَطْعِ حَتَّى يُبَالَغَ عَلَيْهِ وَالشَّأْنُ أَنَّهُ إنَّمَا يُبَالَغُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُتَوَهَّمِ خِلَافُهُ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ غَيْرُ رَاجِعَةٍ لِلْحُرِّ بَلْ لِلْعَبْدِ وَالْمُعَاهَدِ وَحِينَئِذٍ فَجَمْعُهُ لِلضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ إفْرَادِ الْمُعَاهَدِ وَالْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ فِي الْقَطْعِ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ لَا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا الرَّقِيقَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ فَيُقْطَعُ الْعَبْدُ فَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ سَيِّدِهِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُقْطَعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَضِيَ السَّيِّدُ) أَيْ بِقَطْعِهِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَالَ الَّذِي سَرَقَهُ لِسَيِّدِهِ إذَا أَعْتَقَهُ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ مَالِهِ عِنْدَ عِتْقِهِ وَتَرْكِهِ دَلِيلٌ عَلَى بَرَاءَتِهِ لَهُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ مَالِ رَقِيقِ سَيِّدِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ رَقِيقٍ آخَرَ لِسَيِّدِهِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ فَرْعِ سَيِّدِهِ وَلَا فِي مَالِ أَصْلِهِ وَكَذَا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَعَدَمِ قَطْعِهِ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَى السَّيِّدِ عُقُوبَتَانِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَا لِكَوْنِهِ لَهُ شُبْهَةٌ فِي مَالِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ) هَذَا تَعْمِيمٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، إلَّا الرَّقِيقَ إلَخْ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ الْقِنِّ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ كَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبٍ وَسَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ مَحَلٍّ حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ أَمْ لَا

(قَوْلُهُ: كَمَا تَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ) تَرَكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا لِوُضُوحِهِ فَلَوْ قَالَتْ قَبْلَ الْقَطْعِ وَهَاهُنَا بَلْ هُوَ هَذَا لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلشَّكِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَطْعَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُمْ رَبُّ الْمَتَاعِ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَذَلِكَ لِتَحْقِيقِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّرِقَةِ سَبَبٌ فِي لُزُومِ الْقَطْعِ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ السَّبَبِ وُجُودُ الْمُسَبِّبِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ إذَا أَقَرَّ بِهَا وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ أَيْ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا مُكْرَهًا.

(قَوْلُهُ: بِإِكْرَاهِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِقْرَارِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ الْحُكْمُ) أَيْ الْقَضَاءُ كَمَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَمَتْنِ التُّحْفَةِ لِابْنِ عَاصِمٍ وَنَسَبَهُ فِيهَا لِمَالِكٍ حَيْثُ قَالَ:

وَإِنْ يَكُنْ مُطَالِبًا مَنْ يَتَّهِمُ ... فَمَالِكٌ بِالسِّجْنِ وَالضَّرْبِ حَكَمْ

وَحَكَمُوا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ ... مِنْ ذَاعِرٍ يُحْبَسُ لِاخْتِبَارِ

وَالذَّاعِرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَائِفُ قَالَ عبق وَاعْتُمِدَ مَا لِسَحْنُونٍ وَحُمِلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا مَحِلَّانِ أَحَدُهُمَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْعَمَلِ بِإِقْرَارِهِ لِمُكْرَهٍ ثَانِيهِمَا حَلِفُ الْمُتَّهَمِ وَتَهْدِيدُهُ وَسَجْنُهُ فَاسْتَشْكَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي سَجْنِهِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ بِإِقْرَارِ الْمُكْرَهِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُدَوَّنَةِ أَوَّلًا قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ أَوَّلِ كَلَامِهَا عَلَى غَيْرِ الْمُتَّهَمِ وَآخِرِهِ عَلَى الْمُتَّهَمِ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَجَمَعَ الْغِرْيَانِيُّ أَيْضًا بِحَمْلِ أَوَّلِ كَلَامِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْ خَوْفِهِ وَحُمِلَ آخِرُ كَلَامِهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَيُهَدَّدُ الْمُتَّهَمُ وَيُسْجَنُ رَجَاءَ أَنْ يُقِرَّ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا لِسَحْنُونٍ مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ اُنْظُرْ عج فَإِذَا أَقَرَّ مُكْرَهًا عَلَى مَا لَلْمُصَنِّفِ وَأَخْرَجَ بَعْضَ الْمَسْرُوقِ أَخَذَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ السَّرِقَةِ إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>