فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لِيَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَ أَقْطَعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ قُطِعَتْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدَانِ أَوْ رِجْلَانِ فَقَطْ قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ أَوْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَقَطْ وَهَذِهِ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ
الْمَصْلَحَةِ
فِي حَقِّ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى وَإِنَّمَا حَدُّهَا الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَحَدُّهُ ثَلَاثَةٌ وَهِيَ مَا عَدَا النَّفْيَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَوْ يُنْفَى الْحُرُّ (وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ) مُجَرَّدًا أَوْ مَعَ صَلْبٍ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ أَوْ نَفْيُهُ بِقَتْلِ حُرٍّ مُسْلِمٍ بَلْ (وَلَوْ بِكَافِرٍ) أَوْ عَبْدٍ (أَوْ بِإِعَانَةٍ) عَلَى الْقَتْلِ بِمَسْكٍ أَوْ شَارَةٍ بَلْ وَلَوْ بِتَقَوٍّ بِجَاهِهِ إذْ لَوْلَا جَاهُهُ مَا تَجَرَّأَ الْقَاتِلُ عَلَى الْقَتْلِ فَجَاهُهُ أَعَانَهُ عَلَيْهِ حُكْمًا
(وَلَوْ جَاءَ) الْمُحَارِبُ الْقَاتِلُ (تَائِبًا) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ إذْ تَوْبَتُهُ لَا تُسْقِطُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ (وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ) أَيْ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ (الْعَفْوُ) عَنْ الْقَاتِلِ قَبْلَ مَجِيئِهِ تَائِبًا لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ.
وَأَمَّا بَعْدَ مَجِيئِهِ تَائِبًا فَلَهُ الْعَفْوُ لِأَنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ قِصَاصٌ لَا حِرَابَةٌ (وَنُدِبَ) لِلْإِمَامِ النَّظَرُ
بِالْمَصْلَحَةِ
وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ فَالْأَوْلَى (لِذِي التَّدْبِيرِ) مِنْ الْمُحَارِبِينَ (الْقَتْلُ) لِأَنَّ الْقَطْعَ مَثَلًا لَا يَدْفَعُ ضَرُورَةً (وَ) لِذِي (الْبَطْشِ) إذَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا (الْقَطْعُ) مِنْ خِلَافٍ (وَلِغَيْرِهِمَا وَلِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ) الْحِرَابَةُ (فَلْتَةً) بِلَا قَتْلِ أَحَدٍ (النَّفْيُ وَالضَّرْبُ) بِالِاجْتِهَادِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النَّدْبِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَالتَّعْيِينُ) فِيمَا يُنْدَبُ فِعْلُهُ (لِلْإِمَامِ لَا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا) مِنْ جُرْحٍ وَأَخْذِ مَالٍ فَلَا كَلَامَ لَهُ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِالْمُحَارِبِ لَيْسَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي حِرَابَتِهِ مِنْ إخَافَةٍ وَأَخْذِ مَالٍ وَجُرْحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا لِخُصُوصِ مَا وَقَعَ لِهَذَا الشَّخْصِ (وَغَرِمَ كُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ مِنْ الْمُحَارِبِينَ إذَا أَخَذُوا شَيْئًا
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ وَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِهِ قَبْلَ النَّفْيِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيُمْنَى) أَيْ فِي جِنَايَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ خُلِقَ نَاقِصَهَا أَوْ سَقَطَتْ بِسَمَاوِيٍّ (قَوْلُهُ: قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدَانِ وَقَوْلُهُ أَوْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَقَطْ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا رِجْلَانِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ) أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِي إبْقَائِهِ بِأَنْ يُخْشَى بِقَتْلِهِ فَسَادٌ أَعْظَمُ مِنْ قَبِيلَتِهِ الْمُتَفَرِّقِينَ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ بَلْ يُطْلَقُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ وَأَبُو مَهْدِيٍّ وَتِلْمِيذُهُمَا ابْنُ نَاجِيٍّ اهـ عبق (قَوْلُهُ بَلْ وَلَوْ بِكَافِرٍ) لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُكَافِئٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِشُمُولِهِ لِلْعَبْدِ وَالْكَافِرِ مَعًا (قَوْلُهُ: أَوْ بِإِعَانَةٍ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْمُحَارِبَيْنِ إذَا أَعَانَ غَيْرَهُ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ بِمَسْكِهِ لَهُ أَوْ إشَارَةٍ لَهُ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُمَا وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ مُكَافِئٍ لَهُمَا (قَوْلُهُ: بَلْ وَلَوْ بِتَقَوٍّ بِجَاهِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ وَلَا تَسَبَّبَ فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ انْحَازَ شَخْصٌ لِقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَقَتَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْحَازُ أَحَدًا فَيُقْتَلَانِ مَعًا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي وُجُوبِ قَتْلِ الْمُحَارِبِ إذَا قَتَلَ أَيْ هَذَا إذَا ظَفِرْنَا بِهِ قَهْرًا عَنْهُ بَلْ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا (قَوْلُهُ: وَلِيِّ الْمَقْتُولِ) أَيْ الَّذِي قَتَلَهُ ذَلِكَ الْمُحَارِبُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ مَجِيئِهِ تَائِبًا) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ قِصَاصٌ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ قِصَاصًا يَكُونُ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَعَيُّنِ قَتْلِهِ إذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا طَلَبَ الْوَلِيُّ قَتْلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الْعَفْوُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْقَتْلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قِصَاصًا، فَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُقْتَلُ بِهِ كَذِمِّيٍّ أَوْ عَبْدٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ عِنْدَ مَجِيئِهِ تَائِبًا بَلْ عَلَيْهِ دِيَةُ الْأَوَّلِ وَقِيمَةُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ) أَيْ فِي حَالِ الْمُحَارِبِ الَّذِي لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَتْلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَاجِبَةٌ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْهَا مُخَيَّرَةً لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ مَا هُوَ
الْأَصْلَحُ
وَاللَّائِقُ بِحَالِ ذَلِكَ الْمُحَارِبِ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَا هُوَ اللَّائِقُ نُدِبَ لَهُ فِعْلُهُ، فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ غَيْرَ مَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ أَجْزَأَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: لِذِي التَّدْبِيرِ) أَيْ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْخَلَاصِ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَلِذِي الْبَطْشِ) أَيْ الْقُوَّةِ وَالشَّجَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهِمَا) أَيْ مَنْ لَا تَدْبِيرَ لَهُ وَلَا بَطْشَ (قَوْلُهُ: وَلِمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ أَخَذَ بِفَوْرِ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَا أَخَذَ مَالًا وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ إخَافَةُ الطَّرِيقِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ مَا حَصَلَتْ مِنْهُ الْحِرَابَةُ فَلْتَةً يُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُحَارِبِينَ هُوَ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ خِلَافًا لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ: إنَّهُ يُؤَدَّبُ فَقَطْ وَلَا يُجْرَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْحِرَابَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النَّدْبِ) أَيْ مِنْ نَدْبِ فِعْلٍ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَالْأَلْيَقُ بِالْمُحَارِبِ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِّ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَيْ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ إذَا تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ الْأَصْلَحُ بِالْمُحَارِبِ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَدِّ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يُعَيِّنُ مَا يَفْعَلُهُ بِالْمُحَارِبِ غَيْرِ الْقَاتِلِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْأَرْبَعِ وَأَمَّا مَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا بِجِنَايَةِ الْمُحَارِبِ فَلَا تَعْيِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِالْمُحَارِبِ لَيْسَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ جَمِيعِ مَا فَعَلَهُ فِي حِرَابَتِهِ مِنْ إخَافَةٍ وَأَخْذِ مَالٍ وَجُرْحٍ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ كُلٌّ عَنْ الْجَمِيعِ) اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ غُرْمِهِ عَمَّنْ عَدَاهُ حَيْثُ لَزِمَ