(وَلَوْ طِلَاءً) بِهِ فِي جَسَدِهِ وَلَوْ خُلِطَ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّوَاءِ الْجَائِزِ وَيُحَدُّ إنْ شَرِبَهُ لَا إنْ طُلِيَ بِهِ.
(وَالْحُدُودُ) لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ تَكُونُ (بِسَوْطٍ) جِلْدٍ لَهُ رَأْسٌ لَيِّنٌ لَا رَأْسَانِ لَا بِقَضِيبٍ وَشِرَاكٍ وَدِرَّةٍ وَدِرَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّأْدِيبِ وَيَقْبِضُ الضَّارِبُ بِهِ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى دُونَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ بَلْ يَقْبِضُهُمَا فَوْقَ السَّوْطِ فَارِغِينَ وَيَخْرُجُ السَّوْطُ مِنْ بَيْنِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (وَضَرْبٍ مُعْتَدِلَيْنِ) أَيْ مُتَوَسِّطَيْنِ لَا شَدِيدَيْنِ وَلَا خَفِيفَيْنِ فَاعْتِدَالُ السَّوْطِ بِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ لَيِّنًا لَهُ رَأْسٌ لَا رَأْسَانِ وَاعْتِدَالُ الضَّرْبِ بِكَوْنِهِ ضَرْبًا بَيْنَ ضَرْبَيْنِ لَيْسَ بِالْمُبَرِّحِ وَلَا بِالْخَفِيفِ حَالَ كَوْنِ الْمَضْرُوبِ (قَاعِدًا) فَلَا يُمَدُّ عَلَى ظَهْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ (بِلَا رَبْطٍ) إلَّا أَنْ يَضْطَرِبَ الْمَضْرُوبُ اضْطِرَابًا لَا يَصِلُ الضَّرْبُ لَهُ فِي مَوْضِعِهِ فَيُرْبَطُ (وَ) بِلَا (شَدٍّ) أَيْ رَبْطِ (يَدٍ) وَيَكُونُ الضَّرْبُ (بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) أَيْ عَلَيْهَا لَا عَلَى غَيْرِهَا (وَجُرِّدَ الرَّجُلُ) مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَتَيْنِ (وَالْمَرْأَةُ) تُجَرَّدُ (مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ) أَيْ أَلَمَهُ مِنْ الثِّيَابِ الْغَلِيظَةِ بِأَنْ تَلْبَسَ ثَوْبًا وَاحِدًا رَقِيقًا (وَنُدِبَ جَعْلُهَا) حَالَ الضَّرْبِ (فِي قُفَّةٍ) فِيهَا تُرَابٌ يُبَلُّ بِمَاءٍ لِلسَّتْرِ وَيُوَالِي الضَّرْبَ عَلَيْهَا وَلَا يُفَرَّقُ إلَّا لِخَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَيْهَا فَيُفَرَّقُ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْحُدُودِ الَّتِي جَعَلَ الشَّارِعُ فِيهَا شَيْئًا مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعُقُوبَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَذَوَاتِهِمْ وَأَقْدَارِهِمْ فَقَالَ (وَعَزَّرَ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ مِمَّنْ لَهُ ذَلِكَ (لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ) وَهِيَ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهُ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَطَرْحِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِهَا فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا (أَوْ لِحَقِّ آدَمِيٍّ) وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ كَالسَّبِّ وَالضَّرْبِ وَالْإِيذَاءِ بِوَجْهٍ مَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ إذْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ تَرْكُ أَذِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعْصُومِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَأْدِيبُ أَحَدٍ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ السَّيِّدُ فِي رَقِيقِهِ فِي مُخَالَفَتِهِ لِلَّهِ أَوْ لَهُ أَوْ الزَّوْجُ لِلنُّشُوزِ أَوْ تَرْكِهَا نَحْوَ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ تُرْفَعْ لِلْإِمَامِ أَوْ الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مُعَلِّمًا وَلَا يَجُوزُ لِإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ لَعْنٌ وَلَا قَذْفٌ وَلَا سَبٌّ فَاحِشٌ وَلَا سَبُّ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلَا تَعَمُّدُ كَسْرِ عَظْمٍ وَإِتْلَافِ عُضْوٍ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ ضَرْبِ وَجْهٍ وَذَكَرَ أَنْوَاعَ التَّعْزِيرِ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا لِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ بِاعْتِبَارِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ لَهُ وَالْقَوْلُ وَالْفِعْلُ بِقَوْلِهِ (حَبْسًا) بِمَا فِيهِ ظَنُّ الْأَدَبِ وَرَدْعُ النَّفْسِ (وَلَوْ مَا) أَيْ تَوْبِيخًا بِالْكَلَامِ مَنْصُوبَانِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (وَبِالْإِقَامَةِ) مِنْ الْمَجْلِسِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
إذَا سَكِرَ بِالْفِعْلِ وَإِلَّا لَمْ يُحَدَّ وَلَا يَرِدُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي حَدَّهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ الْمَخْلُوطِ بِدَوَاءٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ طِلَاءً) أَيْ هَذَا إذَا تَدَاوَى بِهِ شُرْبًا بَلْ وَلَوْ تَدَاوَى بِهِ طِلَاءً وَلَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ إذَا تَدَاوَى بِهِ طِلَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِهِ شُرْبًا، فَإِنَّهُ يُحَدُّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خُلِطَ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّوَاءِ الْجَائِزِ) أَيْ هَذَا إذَا طَلَى بِهِ مُنْفَرِدًا بَلْ وَلَوْ طَلَى بِهِ مَخْلُوطًا بِشَيْءٍ مِنْ الدَّوَاءِ الْجَائِزِ وَمَحَلُّ مَنْعِ الطِّلَاءِ بِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُخْتَلِطًا بِدَوَاءٍ جَائِزٌ مَا لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ بِتَرْكِهِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا فِي عبق
(قَوْلُهُ لِلزِّنَا) أَيْ الْكَائِنَةِ لِلزِّنَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَيُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدًّا وَاحِدًا (قَوْلُهُ: لَا بِقَضِيبٍ) أَيْ وَلَا يَكُونُ بِقَضِيبٍ وَهُوَ الْغُصْنُ الْمَقْضُوبُ مِنْ الشَّجَرِ أَيْ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ كَالنَّبُّوتِ وَالشِّرَاكِ أَيْ السَّيْرِ مِنْ الْجِلْدِ وَالدِّرَّةُ سَوْطٌ رَفِيعٌ مَجْدُولٌ مِنْ الْجِلْدِ، فَإِنْ وَقَعَ وَضَرَبَ فِي الْحَدِّ بِقَضِيبٍ أَوْ شِرَاكٍ أَوْ دِرَّةٍ لَمْ يَكْفِ وَأُعِيدَ (قَوْلُهُ: إنَّمَا كَانَتْ لِلتَّأْدِيبِ) أَيْ وَكَانَتْ مِنْ جِلْدٍ مُرَكَّبٍ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ (قَوْلُهُ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ) أَيْ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوَكِّلَ مَحَلَّهُ لِلْإِمَامِ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى غَيْرِهِمَا) أَيْ فَلَوْ جَلَدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ لَمْ يَكْفِ وَالْحَدُّ بَاقٍ يُعَادُ ثَانِيًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَلْدُ بِظَهْرِهِ وَكَتِفَيْهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوَهُ أُخِّرَ وَلَوْ فَعَلَ بِهِمَا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُ بِهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً سَقَطَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ، فَإِنَّهُ يُعَادُ وَلَا يَسْقُطُ قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ (قَوْلُهُ وَجُرِّدَ الرَّجُلُ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يُجَرَّدْ الرَّجُلُ مُطْلَقًا وَلَا الْمَرْأَةُ مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ فَانْظُرْ هَلْ يَجْتَزِي بِذَلِكَ حَيْثُ أَحَسَّ بِهِ أَوْ إنْ أَحَسَّ بِهِ كَمَا يَحُسُّ الْمُجَرَّدُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ عبق وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي
(قَوْلُهُ: لِكُلِّ أَحَدٍ) أَيْ فَلَا يُنْظَرُ فِي الْحُدُودِ لِشَرَفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً كَمَنْ قَذَفَ وَاحِدًا وَمَنْ يَشْرَبُ كَأْسًا كَمَنْ شَرِبَ قِنْطَارًا تَعَبُّدًا (قَوْلُهُ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا وَقَوْلُهُ وَأَقْوَالِهِمْ إلَخْ الْأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ وَقَوْلُهُ وَذَوَاتِهِمْ أَيْ قُوَّةً وَضَعْفًا وَقَوْلُهُ وَأَقْدَارِهِمْ أَيْ وَمِنْ جِهَةِ أَقْدَارِهِمْ وَسَفَالَتِهِمْ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ أَوْ السَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ لِعَبْدِهِ وَوَالِدِ الصَّغِيرِ وَمُعَلِّمِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ أَيْ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ فَيَدْخُلُ مَشَايِخُ الْحِرَفِ كَمَا عِنْدَنَا بِمِصْرَ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ) أَيْ عَنْ وَقْتِهَا وَلَوْ اخْتِيَارِيًّا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ الْمُتَمَحِّضَ لِحَقِّ اللَّهِ يَسْقُطُ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ إذَا جَاءَ تَائِبًا بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ نَعَمْ يَسْقُطُ لِعَفْوِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ السَّبِّ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّنْ لَهُ التَّأْدِيبُ وَقَوْلُهُ: لَعْنُ أَيْ التَّعْزِيرُ بِاللَّعْنِ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِمَا) أَيْ بِمُدَّةٍ أَيْ فِي مُدَّةٍ يَظُنُّ حُصُولَ الْأَدَبِ لَهُ بِهِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَبِالْإِقَامَةِ مِنْ الْمَجْلِسِ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَامَةِ مِنْ الْمَجْلِسِ إيقَافُهُ فِيهِ أَيْ أَمْرُ الْحَاكِمِ لَهُ بِوُقُوفِهِ عَلَى قَدَمَيْهِ ثُمَّ يُقْعِدُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَمْرُهُ بِالذَّهَابِ مِنْ الْمَجْلِسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute