للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَنَزْعِ الْعِمَامَةِ) مِنْ رَأْسِهِ (وَضَرْبٍ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَقَضِيبٍ وَدِرَّةٍ وَصَفْعٍ بِالْقَفَا وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّفْيِ كَالْمُزَوِّرِينَ وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَارَةِ كَأَهْلِ الْفُسُوقِ الْمُضِرِّينَ بِالْجِيرَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ بِمَا بَاعَ بِهِ مَا غَشَّهُ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي لِلْحُكَّامِ النَّظَرُ فِيهَا

(وَإِنْ) (زَادَ عَلَى الْحَدِّ) بِالْجَلْدِ كَأَنْ يَزِيدَ عَنْ الْمِائَةِ سَوْطٌ (أَوْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ) بِأَنْ أَدَّى لِلْمَوْتِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ إذَا لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّشْدِيدَ فِيمَا يَقْتَضِي التَّشْدِيدَ كَسَبِّ الصَّحَابَةِ أَوْ آلِ الْبَيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَأَدَّى إلَى الْهَلَاكِ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ شَكَّ مُنِعَ (وَضَمِنَ) فِي الشَّكِّ (مَا سَرَى) عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ جُرْحٍ أَيْ ضَمِنَ دِيَةَ مَا سَرَى لَكِنْ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ وَأَوْلَى إنْ جَزَمَ فَالْقَوَدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ فَخَابَ ظَنُّهُ فَهَدَرٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَهَا فَالْقِصَاصُ، وَإِنْ شَكَّ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَسَوَاءٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ شَهِدَ الْعُرْفُ بِالتَّلَفِ مِنْهُ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَيُعْلَمُ الظَّنُّ وَالشَّكُّ مِنْ إقْرَارِهِ وَمِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ أَشْيَاءَ تُوجِبُ الضَّمَانَ فَقَالَ (كَطَبِيبٍ جَهِلَ) التَّشْبِيهَ فِي الضَّمَانِ أَيْ أَنَّ الطَّبِيبَ فِي زَعْمِهِ إذَا جَهِلَ عِلْمَ الطِّبِّ فِي الْوَاقِعِ (أَوْ) عَلِمَ وَ (قَصَّرَ) فِي الْمُعَالَجَةِ حَتَّى مَاتَ الْمَرِيضُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ كَمَا فِي النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَمَفْهُومُ الْوَصْفَيْنِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَلْ هَدَرٌ (أَوْ) دَاوَى (بِلَا إذْنٍ مُعْتَبَرٍ) بِأَنْ كَانَ بِلَا إذْنٍ أَصْلًا أَوْ بِإِذْنٍ غَيْرِ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا كَأَنْ دَاوَى صَبِيًّا بِإِذْنِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ عَلِمَ وَلَمْ يُقَصِّرْ (وَلَوْ) (إذْنَ عَبْدٍ بِفَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ خِتَانٍ) فَيَضْمَنُ مَا سَرَى؛ لِأَنَّ إذْنَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَكَتَأْجِيجِ نَارٍ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) أَيْ شَدِيدِ الرِّيحِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا

ــ

[حاشية الدسوقي]

قَوْلُهُ: وَضَرْبٍ بِسَوْطٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْحَدِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّوْطِ، فَإِنْ حُدَّ بِغَيْرِ السَّوْطِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ) أَيْ التَّعْزِيرُ (قَوْلُهُ: بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَارَةِ) أَيْ وَبَيْعِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ كَإِتْلَافِهِ لِمَا يَمْلِكُهُ كَإِرَاقَةِ اللَّبَنِ عَلَى مَنْ غَشَّهُ حَيْثُ كَانَ يَسِيرًا وَلَا يَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِأَخْذِ الْمَالِ إجْمَاعًا وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ جَوَّزَ لِلسُّلْطَانِ التَّعْزِيرَ بِأَخْذِ الْمَالِ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْبَزَّازِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَمْسِكَ الْمَالَ عِنْدَهُ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدَهُ إلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ الظَّلَمَةُ إذْ لَا يَجُوزُ أَخْذُ مَالِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ أَيْ كَشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ

(قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْحَدّ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ زَادَ الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ عَلَى الْحَدِّ الْمُصَوَّرِ بِالْجَلْدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنْ يُعَزِّرَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ كَمِائَتَيْ سَوْطٍ أَوْ بِمَا يَأْتِي عَلَى هَلَاكِهِ كَأَلْفِ كُرْبَاجٍ مَثَلًا، فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ وَيَجُوزُ لَهُ الْقُدُومُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ حَيْثُ لَمْ يَظُنَّ الْهَلَاكَ ابْتِدَاءً بَلْ ظَنَّ سَلَامَتَهُ أَوْ جَزَمَ بِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظُنَّهَا وَلَمْ يَجْزِمْ بِهَا، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّأْدِيبِ بِمَا يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ النَّفْسَ قَوَدًا إنْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا أَوْ ظَنَّ عَدَمَهَا وَإِنْ شَكَّ فِي السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ شَكَّ مَنْعَ) أَيْ تَأْدِيبَهُ بِمَا يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ إنْ ظَنَّ السَّلَامَةَ) أَيْ ابْتِدَاءً وَقَوْلُهُ فَخَابَ ظَنُّهُ أَيْ بِأَنْ مَاتَ وَقَوْلُهُ وَإِذَا ظَنَّ عَدَمَهَا أَيْ ابْتِدَاءً وَأَوْلَى إنْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: شَهِدَ الْعُرْفُ بِالتَّلَفِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: إنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَنْشَأُ عَنْهُ التَّلَفُ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ ظَنِّ الْإِمَامِ السَّلَامَةَ مَعَ قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ إنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ تَلَفٌ أَوْ عَيْبٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِيبُ ظَنُّهُ

(قَوْلُهُ: فِي زَعْمِهِ) أَشَارَ بِهَذَا الدَّفْعِ إلَى مَا يُقَالُ: إنَّ فِي كَلَامَهُ تَنَافِيًا إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ طَبِيبًا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالطِّبِّ لَا جَاهِلًا بِهِ (قَوْلُهُ: إذَا جَهِلَ عِلْمَ الطِّبِّ فِي الْوَاقِعِ) أَيْ وَعَالَجَ مَرِيضًا فَمَاتَ بِسَبَبِ مُعَالَجَتِهِ (قَوْلُهُ أَوْ قَصَّرَ فِي الْمُعَالَجَةِ) أَيْ كَأَنْ أَرَادَ قَلْعَ سِنٍّ فَقَلَعَ غَيْرَهَا خَطَأً أَوْ تَجَاوَزَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ الْحَدَّ الْمَعْلُومَ فِي الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ كَأَنْ زَلَّتْ أَوْ تَرَامَتْ يَدُ خَاتِنٍ أَوْ سَقَى عَلِيلًا دَوَاءً غَيْرَ مُنَاسِبٍ لِلدَّاءِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يُنَاسِبُهُ وَقَدْ أَخْطَأَ فِي اعْتِقَادِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) إنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْ الْجَاهِلِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا وَإِنَّمَا قَصَدَ نَفْعَ الْعَلِيلِ أَوْ رَجَا ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ ضَرَرَهُ، فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَدَاءِ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّقْلِ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَاهِلِ وَالْمُقَصِّرِ قَوْلَيْنِ قِيلَ: الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيلَ: إنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْعَاقِلَةِ اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُقَصِّرْ وَهُوَ عَالِمٌ) أَيْ بِأَنَّ فِعْلَ مَا يُنَاسِبُ الْمَرَضَ فِي الطِّبِّ وَلَكِنْ نَشَأَ عَنْهُ عَيْبٌ أَوْ تَلَفٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ بِلَا إذْنٍ أَصْلًا) كَمَا لَوْ خَتَنَ صَغِيرًا قَهْرًا عَنْهُ أَوْ كَبِيرًا وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ أَطْعَمَ مَرِيضًا دَوَاءً قَهْرًا عَنْهُ فَنَشَأَ عَنْ ذَلِكَ تَلَفٌ.

{تَنْبِيهٌ} مِثْلُ الْمُدَاوَاةِ بِلَا إذْنٍ مُعْتَبَرٍ فِي الضَّمَانِ أَذِنَ الرَّشِيدُ فِي قَتْلِهِ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ لِوَلِيِّهِ لَا إنْ أَذِنَ فِي جُرْحِهِ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ فَلَا ضَمَانَ إلَّا الْوَدِيعَةُ إذَا أَذِنَ رَبُّهَا مَنْ هِيَ عِنْدَهُ فِي إتْلَافِهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَهَا لِالْتِزَامِهِ حِفْظَهَا بِالْقَبُولِ (قَوْلُهُ: أَوْ خِتَانٍ) أَيْ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ عَيْبٌ أَوْ تَلَفٌ (قَوْلُهُ وَكَتَأْجِيجِ نَارٍ) أَيْ إشْعَالِهَا (قَوْلُهُ: شَدِيدِ الرِّيحِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ إسْنَادَ الْعَصْفِ لِلْيَوْمِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَصْفَ عِبَارَةٌ عَنْ الْهُبُوبِ وَالتَّصْوِيتِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَّصِفُ بِهِ الرِّيحُ لَا الْيَوْمُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " عَاصِفٍ " صِفَةً لِمُضَافٍ إلَى يَوْمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَجُوزُ فِي الْإِسْنَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>