فَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بَعِيدٍ لَا يَظُنُّ فِيهِ الْوُصُولَ إلَى الْمَحْرُوقِ عَادَةً فَلَا ضَمَانَ (وَكَسُقُوطِ جِدَارٍ) عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ فَيَضْمَنُ صَاحِبُهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ (مَالَ) بَعْد أَنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا (وَأَنْذَرَ صَاحِبَهُ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ: أَصْلِحْ جِدَارَك وَيُشْهِدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَعَ إمْكَانِ حَاكِمٍ كَمَا لِلْجِيزِيِّ (وَأَمْكَنَ تَدَارُكُهُ) بِأَنْ يَتَّسِعَ الزَّمَانُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِصْلَاحُ فِيهِ وَلَمْ يُصْلِحْ فَيَضْمَنُ الْمَالَ وَالدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَمَفْهُومُ مَالَ أَنَّهُ لَوْ بَنَاهُ مَائِلًا ابْتِدَاءً فَسَقَطَ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ لَضَمِنَ بِلَا تَفْصِيلٍ، وَمَفْهُومُ أَنْذَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُنْذِرْ أَيْ مَعَ الْإِشْهَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِذَلِكَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فَيَضْمَنَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ صَاحِبَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ الْإِنْذَارُ إذْ لَيْسَ لَهُمْ هَدْمٌ وَمَفْهُومُ أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ سَقَطَ قَبْلَ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ التَّدَارُكُ لَمْ يَضْمَنْ (أَوْ) (عَضَّهُ فَسَلَّ يَدَهُ فَقَلَعَ أَسْنَانَهُ) فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَهَذَا إنْ قَصَدَ بِسَلِّ يَدِهِ قَلْعَهَا.
وَأَمَّا إنْ قَصَدَ تَخْلِيصَ يَدِهِ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا ضَمَانَ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ (أَوْ) (نَظَرَ لَهُ مِنْ كَوَّةٍ) أَوْ غَيْرِهَا كَبَابٍ (فَقَصَدَ عَيْنَهُ) أَيْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهَا فَفَقَأَهَا ضَمِنَ يَعْنِي اقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا ضَمِنَ الدِّيَةَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَإِلَّا) يَقْصِدُ بِالرَّمْيِ عَيْنَهُ بَلْ قَصَدَ زَجْرَهُ (فَلَا) ضَمَانَ بِمَعْنَى لَا قَوَدَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لَكِنْ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (كَسُقُوطِ مِيزَابٍ) مُتَّخَذٌ لِلْمَطَرِ عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهِ أَصْلًا مُطْلَقًا بَلْ هَدَرٌ وَمِثْلُهُ الظُّلَّةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ عَدَمَ الضَّمَانِ بِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ (أَوْ بَغَتْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِعْلٌ مَاضٍ وَ (رِيحٌ) فَاعِلُهُ أَيْ فَجَأَ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا عَلَى أَنَّهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ الْمَالَ) أَيْ الَّذِي أَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَقَوْلُهُ وَالدِّيَةُ أَيْ دِيَةُ مَنْ مَاتَ بِالنَّارِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ تَأْجِيجُ النَّارِ وَقَوْلُهُ لَا يَظُنُّ فِيهِ الْوُصُولَ أَيْ وُصُولَ النَّارِ لِلشَّيْءِ الْمَحْرُوقِ فَتَخَلَّفَ الظَّنُّ وَوَصَلَتْ إلَيْهِ فَأَحْرَقَتْهُ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ صَاحِبَهُ) أَيْ الْمَالِ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ وَهَذَا رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَرِوَايَةُ زوزان عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا بَلَغَ الثُّلُثَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ فِي وَثَائِقِهِ (قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْجِدَارِ إلَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْهَدْمِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ وَهْبٍ وَقِيلَ: إنْ بَلَغَ حَدًّا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عَدَمُهُ لِشِدَّةِ مَيَلَانِهِ فَتَرَكَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إشْهَادٌ وَلَا حُكْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ اُنْظُرْ ح وَالتَّوْضِيحَ (قَوْلُهُ: وَأَنْذَرَ صَاحِبَهُ) الْمُرَادُ بِهِ مَالِكَهُ الْمُكَلَّفَ أَوْ وَكِيلَهُ الْخَاصَّ أَوْ الْعَامَّ، وَالْوَكِيلُ الْعَامُّ هُوَ الْحَاكِمُ إذْ كَانَ رَبُّ الْجِدَارِ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَكِيلٌ خَاصٌّ وَمِنْ الْوَكِيلِ الْخَاصِّ نَاظِرُ الْوَقْفِ وَوَصِيُّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، فَإِذَا سَقَطَ الْجِدَارُ مَعَ وُجُودِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ ضَمِنَ وَصِيُّ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فِي مَالِهِ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرِ الْمُكَلَّفِ مَالٌ وَضَمِنَ نَاظِرُ وَقْفٍ وَوَكِيلٌ خَاصٌّ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يَصْلُحُ مِنْهُ لِتَقْصِيرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَأَمْكَنَهُمَا السَّلَفُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَلِيءٌ وَتَرَكَا حَتَّى سَقَطَ ضِمْنًا فِيمَا يَظْهَرُ اُنْظُرْ عبق (قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِالْإِنْذَارِ (قَوْلُهُ كَمَا لِلْجِيزِيِّ) قَالَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ الْبَرْمُونِيُّ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ فِي ضَمَانِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ بِالْإِنْذَارِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَأَمَّا الْإِشْهَادُ بِالْإِنْذَارِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ إمْكَانِ الْحَاكِمِ فَلَا يَكْفِي فِي الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ أَنْذَرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُنْذِرْ) الْأَوْضَحُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْإِنْذَارُ وَالْإِشْهَادُ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمَيَلَانِ فَمَا ذَكَرَ مِنْ قَيْدِ الْإِنْذَارِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْمَيَلَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ) أَيْ فَيَضْمَنُ الْمَعْضُوضُ دِيَةَ أَسْنَانِ الْعَاضِّ (قَوْلُهُ: قَلْعَهَا) أَيْ قَلْعَ أَسْنَانِ الْعَاضِّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ) وَهُوَ أَنَّ «رَجُلًا عَضَّ آخَرَ فَنَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ فَقَلَعَ سِنَّهُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لَا دِيَةَ لَهُ» (قَوْلُهُ: فَقَصَدَ عَيْنَهُ) أَيْ فَقَصَدَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ رَمْيَ عَيْنِ النَّاظِرِ فَفَقَأَهَا وَقَوْلُهُ اقْتَصَّ مِنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ خِلَافًا لِبَهْرَامَ وتت حَيْثُ قَالَا بِلُزُومِ الدِّيَةِ إنْ قَصَدَ بِالرَّمْيِ فَقْءَ عَيْنِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الزَّجْرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ كَمَا يُفِيدُهُ ح، فَإِنْ ادَّعَى الْمَرْمِيُّ أَنَّ الرَّامِيَ قَصَدَ عَيْنَهُ وَادَّعَى الرَّامِي عَدَمَ قَصْدِهَا وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا قَرِينَةَ تُصَدِّقُ الرَّامِيَ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِدَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الظُّلَّةُ) أَيْ وَكَذَلِكَ الْبِئْرُ وَالسَّرَبُ لِلْمَاءِ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ، فَإِذَا سَقَطَتْ الظُّلَّةُ أَوْ سَقَطَ الْبِئْرُ أَوْ السَّرَبُ أَيْ مَحَلُّ جَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى مَنْ يَحْفِرُهُمَا مَثَلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الظُّلَّةِ وَلَا عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ لِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوْ السَّرَبِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ يَنْبَغِي عَدَمُ الضَّمَانِ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ سُقُوطِ الْمِيزَابِ (قَوْلُهُ: بِمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ) أَيْ بِمَا إذَا انْتَفَى بَعْضُ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الضَّمَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ بِأَنْ يُقَالَ عَدَمُ الضَّمَانِ هُنَا حَيْثُ انْتَفَى مَيَلَانُ الْمِيزَابِ أَوْ أَنَّهُ مَالَ وَلَمْ يَحْصُلْ إنْذَارٌ لِصَاحِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute