للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ وَرَبُّهُ مُعْسِرٍ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَوْ كَانَ مَلِيًّا صَحَّ الْعِتْقُ وَعَجَّلَ الدَّيْنَ وَالْأَرْشَ وَلَوْ طَرَأَ الْمِلَاءُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ بَيْعِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ نُفُوذِهِ كَمَا قَدَّمَهُ إلَّا أَنَّ التَّمْثِيلَ بِالْأَوَّلَيْنِ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا إحَاطَةِ دَيْنٍ

وَذَكَرَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ وَهُوَ الصِّيغَةُ مُقَسِّمًا لَهَا لِصَرِيحٍ وَهُوَ مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَخَفِيَّةٍ وَهِيَ مَا لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (بِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِعْتَاقٍ أَيْ إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ بِهِ أَيْ بِالْعِتْقِ أَيْ بِتَصْرِيحِهِ بِهِ أَيْ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَأَتَى بِالْمَصْدَرِ لِيَصِيرَ سَائِرُ تَصَارِيفِهِ مِنْ الصَّرِيحِ نَحْوُ أَعْتَقْتُك وَأَنْتَ مَعْتُوقٌ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ (وَبِفَكِّ الرَّقَبَةِ) نَحْوُ فَكَكْت رَقَبَتَك أَوْ أَنْتَ مَفْكُوكُ الرَّقَبَةِ (وَالتَّحْرِيرِ) كَأَنْتَ حُرٌّ وَحَرَّرْتُك وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَهَذَا إنْ أَطْلَقَ بَلْ (وَإِنْ) قَيَّدَ بِزَمَنٍ كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ مَعْتُوقٌ (فِي هَذَا الْيَوْمِ) أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَحُرٌّ أَبَدًا (بِلَا قَرِينَةِ مَدْحٍ) تَصْرِفُ الصَّرِيحَ عَنْ إرَادَةِ الْعِتْقِ، فَإِنْ وُجِدَتْ صَرَفَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ كَمَا إذَا عَمِلَ عَمَلًا فَأَعْجَبَ سَيِّدَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْتَ فِي عَمَلِك كَالْحُرِّ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (أَوْ) بِلَا قَرِينَةِ (خُلْفٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى الْمُخَالَفَةِ وَالْعِصْيَانِ يَعْنِي إذَا خَالَفَهُ فِي شَيْءٍ فَقَالَ لَهُ يَا حُرُّ أَوْ أَنْت حُرٌّ أَوْ مَا أَنْت إلَّا حُرٌّ قَاصِدًا بِذَلِكَ تَهْدِيدَهُ وَأَنَّهُ فِي مُخَالَفَتِهِ لَهُ كَمُخَالَفَةِ الْحُرِّ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ (أَوْ) بِلَا قَرِينَةِ (دَفْعِ مَكْسٍ) كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْمُكَّاسُ مَكْسَ عَبْدِهِ فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ هُوَ حُرٌّ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَّفَهُ فَحَلَفَ لِقَرِينَةِ الْإِكْرَاهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ وَبِفَكِّ الرَّقَبَةِ بِقَوْلِهِ (وَبِلَا مِلْكٍ) لِي عَلَيْك (أَوْ) لَا (سَبِيلَ لِي عَلَيْك) وَلَا يَصْدُقُ فِي عَدَمِ إرَادَةِ الْعِتْقِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (لِجَوَابٍ) عَنْ كَلَامٍ قَبْلَهُ وَقَعَ مِنْ الْعَبْدِ كَأَنْ يُكَلِّمَ سَيِّدَهُ بِكَلَامٍ لَا يَلِقْ فَقَالَ لَهُ أَحَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَقَالَ لَمْ أُرِدْ الْعِتْقَ فَيَصْدُقُ (وَبِكَوَهَبْتُ لَك نَفْسَك) أَوْ خِدْمَتَك أَوْ عَمَلَك فِي حَيَاتِك أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْك بِخَرَاجِك

ــ

[حاشية الدسوقي]

بِرَقَبَتِهِ حَقٌّ لَازِمٌ قَبْلَ عِتْقِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ وَرَبُّهُ) أَيْ الَّذِي أَعْتَقَهُ مُعْسِرٌ فِي الثَّلَاثَةِ أَيْ فَلَا يَلْزَمُ عِتْقُهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ التَّمْثِيلَ) أَيْ لَمَّا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقٌّ لَازِمٌ (قَوْلُهُ: يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا إحَاطَةِ دَيْنٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَكَانَ مُعْسِرًا فَالْعِتْقُ غَيْرُ مَاضٍ لِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِ السَّيِّدِ وَكَذَلِكَ الْمَدِينُ الْمُعْسِرُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ كَانَ عِتْقُهُ غَيْرَ مَاضٍ لِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ عِتْقِ الْمَالِكِ أَنْ يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِعَدَمِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ التَّمْثِيلَ بِالْأَوَّلَيْنِ يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَبِلَا إحَاطَةِ دَيْنٍ فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّمْثِيلِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهِ حَقٌّ لَازِمٌ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُمَثَّلُ لِذَلِكَ بِالْعَبْدِ الْجَانِي كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ الْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُقَاطِعُ، فَإِنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِمْ حَقٌّ لَازِمٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ عِتْقُهُمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لِآدَمِيٍّ غَيْرِ سَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبُ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لِسَيِّدِهِ لَا لِغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْعِتْقِ لِغَيْرِهِ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ وَقَوْلُهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ يَنْصَرِفُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: مَا لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ) أَيْ لِغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَيْ أَوْ قَرِينَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِإِعْتَاقٍ) أَيْ وَهُوَ مَحَطُّ الْحَصْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْمُولُ الْمُؤَخَّرُ مَثَّلَ لَهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَحَطَّ الْحَصْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذِّكْرِ بَلْ الْمَعْمُولَاتُ كُلُّهَا مَقْصُودَةٌ بِالذِّكْرِ نَعَمْ الْآخَرُ مِنْهَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحَصْرِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنْ جَعَلَ الْأَخِيرَ مَقْصُودًا بِالْحَصْرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذِّكْرِ رُكْنِيَّةُ الصِّيغَةِ وَإِلْغَاءُ رُكْنِيَّةِ الْمُعْتِقِ وَالْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ ذُكِرَا قَبْلُ لَكِنْ ذَكَرَهُمَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَا بِالذَّاتِ مَعَ اتِّفَاقِ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِكَوْنِهِمَا رُكْنَيْنِ (قَوْلُهُ وَأَتَى بِالْمَصْدَرِ) أَيْ وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِضَمِيرِ الْمَصْدَرِ لِيُفِيدَ أَنَّ سَائِرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِفَكِّ الرَّقَبَةِ) أَيْ فَكِّهَا عَنْ الرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: فَحُرٌّ أَبَدًا) أَيْ وَلَوْ قَيَّدَهُ بِفَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَ: فَكَكْت رَقَبَتَك فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ أَوْ بِهَذَا الْعَمَلِ كَمَا لَوْ قَالَ فَكَكْت رَقَبَتَك مِنْ هَذَا الْعَمَلِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ حِينَ تَقْيِيدِهِ بِفَقَطْ أَوْ بِهَذَا الْعَمَلِ إذَا أَرَادَ فَكَّ رَقَبَتِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ أَوْ فَكَّ رَقَبَتِهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ الْخَاصِّ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ عِتْقَهُ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَا فِي هَذَا الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: بِلَا قَرِينَةِ مَدْحٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ التَّصْرِيحِ بِالْعِتْقِ وَمَا مَعَهُ مُلْتَبِسًا بِعَدَمِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَدْحِ ذَلِكَ الرَّقِيقِ (قَوْلُهُ: قَاصِدًا بِذَلِكَ تَهْدِيدَهُ) أَيْ لَا حُرِّيَّتَهُ وَعِتْقَهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَّفَهُ) أَيْ الْمُكَّاسُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَا أَدَعُك مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ إلَّا أَنْ تَقُولَ: إنْ كَانَ رَقِيقًا فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ لِقَرِينَةِ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا إنْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لِقَرِينَةِ الْإِكْرَاهِ) أَيْ إنَّ الْإِكْرَاهَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ هُوَ حُرٌّ فَكَّ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْ أَنَّهُ كَالْحُرِّ فِي أَنَّهُ لَا مَكْسَ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ إرَادَةِ الْعِتْقِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّتِهِ عَدَمَ إرَادَةِ الْعِتْقِ بِهِمَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ يَصْرِفُهَا عَنْ الْعِتْقِ النِّيَّةُ وَالْقَرِينَةُ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ إرَادَتِهِ لِلْعِتْقِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَقَالَ لَهُ أَحَدَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ) أَيْ جَوَابًا لِكَلَامِهِ وَالْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>