(أَعْتَذِرُ) أَيْ أُظْهِرُ عُذْرِي (لِذَوِي) أَيْ أَصْحَابِ (الْأَلْبَابِ) جَمْعُ لُبٍّ بِمَعْنَى الْعَقْلِ أَيْ الْعُقُولِ الْكَامِلَةِ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ الْعُذْرَ وَلَا يُلَامُونَ لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ (مِنْ) أَجْلِ (التَّقْصِيرِ) أَيْ الْخَلَلِ (الْوَاقِعِ) مِنِّي (فِي هَذَا الْكِتَابِ) وَالْعَقْلُ عَلَى الصَّحِيحِ نُورٌ رُوحَانِيٌّ بِهِ تُدْرِكُ النَّفْسُ الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ وَالنَّظَرِيَّةَ وَابْتِدَاءُ وُجُودِهِ نَفْخُ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْمُو إلَى أَنْ يَكْمُلَ عِنْدَ الْبُلُوغِ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ وَجَعَلَ نُورَهُ مُتَّصِلًا بِالدِّمَاغِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ كَمَالَهُ عِنْدَ الْأَرْبَعِينَ (وَأَسْأَلُ) حَذَفَ الْمَفْعُولَ اخْتِصَارًا أَيْ أَسْأَلُهُمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُسْأَلُونَ (بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ) أَيْ ذِي التَّضَرُّعِ أَوْ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ تَضَرُّعًا مُبَالَغَةً أَوْ الْمُرَادُ الْمُتَضَرِّعُ الْخَاشِعُ عَلَى حَدِّ زَيْدٌ عَدْلٌ أَوْ الْمُرَادُ بِلِسَانِ تَضَرُّعِي أَيْ تَذَلُّلِي فَيَكُونُ عَلَى هَذَا فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ (وَالْخُشُوعِ) أَيْ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ (وَخِطَابِ التَّذَلُّلِ) أَيْ التَّضَرُّعِ (وَالْخُضُوعِ) أَيْ الْخُشُوعِ فَالْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَسْنَدَ اللِّسَانَ لِلتَّضَرُّعِ وَالْخِطَابَ لِلتَّذَلُّلِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: أَعْتَذِرُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِذَارِ وَهُوَ إظْهَارُ الْعُذْرِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْعَقْلِ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَوْلُهُ: أَيْ الْعُقُولُ الْكَامِلَةُ أَخْذُ الْوَصْفِ بِالْكَمَالِ مِنْ جَعْلِ أَلْ فِي الْأَلْبَابِ لِلْكَمَالِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: اللُّبُّ هُوَ الْعَقْلُ الرَّاجِحُ فَيَكُونُ الْكَمَالُ مَأْخُوذًا مِنْ مَعْنَى الْأَلْبَابِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ إلَخْ) ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِالِاعْتِذَارِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلُومُونَ) أَيْ فَلَا يَقُولُونَ أَخْطَأَ الْمُؤَلِّفُ أَوْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ بَلْ إذَا رَأَوْا خَطَأً قَالُوا هَذَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ هَذَا سَهْوٌ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ تَأْوِيلُ الْعِبَارَةِ وَصَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا (قَوْلُهُ: لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ) أَيْ الْمُوجِبِ لِشَفَقَتِهِمْ وَرَحْمَتِهِمْ (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ التَّقْصِيرِ) هُوَ عَدَمُ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِهِ لَا بِالْكِتَابِ وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّقْصِيرِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ الْخَلَلِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَعْنِي الْخَلَلَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ فَالْمُصَنِّفُ قَدْ أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا نَظُنُّ أَنَّهُ خَلَلٌ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ ارْتِكَابُ الْخَطَإِ ثُمَّ يَعْتَذِرُ عَنْهُ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْوَاقِعُ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْ الْمَظْنُونُ وُقُوعُهُ فِيهِ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: رُوحَانِيٌّ) بِضَمِّ الرَّاءِ نِسْبَةٌ لِلرُّوحِ بِضَمِّهَا لَا لِلرَّوْحِ بِفَتْحِهَا الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ، وَإِنَّمَا نُسِبَ لِلرُّوحِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِإِدْرَاكِهَا وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ نُورٌ أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ قُوَّةٌ لِلنَّفْسِ مُعَدَّةٌ لِاكْتِسَابِ الْآرَاءِ وَالْعُلُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ (قَوْلُهُ: الْعُلُومَ الضَّرُورِيَّةَ) أَيْ وَهِيَ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا فِي النَّفْسِ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى حَدْسٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ وَالنَّظَرِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ حُصُولُهَا فِي النَّفْسِ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَنْمُو) أَيْ يَتَزَايَدُ (قَوْلُهُ: خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ إلَخْ) وَقِيلَ: إنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ فِي رَأْسِهِ فَأَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ هَلْ تَلْزَمُهُ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ فَقَطْ وَلَا دِيَةَ لِلْعَقْلِ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَوْ تَلْزَمُهُ دِيَةٌ لِمُوضِحَةٍ وَدِيَةٌ لِلْعَقْلِ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: أَيْ أَسْأَلُهُمْ) أَيْ ذَوِي الْأَلْبَابِ فَأَسْأَلُ مُتَعَلِّقٌ بِمَفْعُولٍ مَعْنًى هُوَ ضَمِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ السَّابِقِ ذِكْرُهُمْ حَذَفَهُ اخْتِصَارًا أَوْ اقْتِصَارًا لِقَرِينَةِ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الْفِعْلُ بِمَفْعُولٍ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ السُّؤَالُ مِنْ النَّاظِرِينَ فِي كِتَابِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يُسْأَلُونَ) أَيْ لِشَفَقَتِهِمْ وَرَحْمَتِهِمْ وَكَمَالِ إيمَانِهِمْ
(قَوْلُهُ: بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّضَرُّعَ هُوَ التَّذَلُّلُ وَلَا لِسَانَ لَهُ وَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ بِلِسَانِي عِنْدَ تَضَرُّعِي وَتَذَلُّلِي (قَوْلُهُ: أَيْ ذَوِي التَّضَرُّعِ) أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُتَضَرِّعِ الْخَاشِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُرَادُ بِلِسَانِ تَضَرُّعِي) أَيْ فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ) أَيْ حَيْثُ شَبَّهَ تَضَرُّعَهُ بِإِنْسَانٍ ذِي لِسَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَإِثْبَاتُ اللِّسَانِ تَخْيِيلٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُشُوعِ) عَطَفَهُ عَلَى التَّضَرُّعِ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِ فَالْمُرَادُ بِهِمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّذَلُّلُ (قَوْلُهُ: وَخِطَابُ التَّذَلُّلِ) الِاحْتِمَالَاتُ الْأَرْبَعُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ تَجْرِي هُنَا (قَوْلُهُ: فَالْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ) أَيْ التَّضَرُّعُ وَالْخُشُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ (قَوْلُهُ: وَأَسْنَدَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute