(أَوْ سُؤَالٍ مُطْلَقًا) كَانَ عَادَتُهُ السُّؤَالَ أَمْ لَا، كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِعْطَاءَ أَمْ لَا لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ بِالْحَضَرِ وَعَلِمَ، أَوْ ظَنَّ الْإِعْطَاءَ بِالسَّفَرِ مَا يَكْفِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ بِالسُّؤَالِ أَوْ الْمَشْيِ (وَاعْتُبِرَ) فِي الِاسْتِطَاعَةِ زِيَادَةً عَلَى إمْكَانِ الْوُصُولِ وُجُودُ (مَا يُرَدُّ بِهِ) مِنْ الْمَالِ إلَى أَقْرَبِ مَكَان يُمْكِنُ فِيهِ التَّمَعُّشُ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ (إنْ خَشِيَ) بِبَقَائِهِ بِمَكَّةَ (ضَيَاعًا) .
(وَالْبَحْرُ) فِي وُجُوبِ رُكُوبِهِ - إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا -، وَجَوَازِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةٌ (كَالْبَرِّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ) فِي نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَمِثْلُ غَلَبَةِ الْعَطَبِ اسْتِوَاءُ الْعَطَبِ وَالسَّلَامَةِ أَيْ فَلَا يَجِبُ إلَّا إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ " وَأَمْنٍ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ " فَلَوْ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ هُنَا مُلَاحِظًا فِيهِ الْأَمْنَ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَ أَحْسَنَ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ لِكَمَيْدٍ) أَيْ دَوْخَةٍ وَكَضِيقِ مَكَان لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ مَعَهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ وَمِثْلُ رُكْنِهَا الْإِخْلَالُ بِشَرْطِهَا كَنَجَاسَةٍ، وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا.
(وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ وَسُنَّةِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً وَالْفَوْرِيَّةِ وَالتَّرَاخِي وَشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أُمُورًا بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) فَيُكْرَهُ لَهَا ذَلِكَ.
ــ
[حاشية الدسوقي]
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ عَطِيَّةٍ تُوصِلُهُ لِمِلْكِهِ فَإِذَا أُعْطِيَ مَالًا عَلَى جِهَةِ الصَّدَقَةِ، أَوْ الْهِبَةِ يُمْكِنُهُ بِهِ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَيَحُجَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ سَاقِطٌ كَذَا حَلُّ ح فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَقَبِلَهُ وَجَبَ الْحَجُّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُؤَالٍ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُؤَالٌ مُطْلَقًا أَيْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ وَيَسْأَلَ النَّاسَ مَا يَقْتَاتُ بِهِ مُطْلَقًا. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الرَّاجِحَ إلَخْ) وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَقُدْرَةُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ اسْتِطَاعَةٌ، وَقَوَّاهُ طفى وَرَجَّحَهُ عج فَخِلَافُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَدَوِيٍّ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ عَادَتُهُ السُّؤَالُ بِالْحَضَرِ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا فَقِيرٌ غَيْرُ سَائِلٍ بِالْحَضَرِ وَقَادِرٌ عَلَى سُؤَالِ كِفَايَتِهِ بِالسَّفَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ اتِّفَاقًا، وَفِي إبَاحَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ الْقَاسِمِ. (قَوْلُهُ: إلَى أَقْرَبِ مَكَان) أَيْ لِمَكَّةَ وَقَوْلُهُ: إنْ خَشِيَ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ مَا يُرَدُّ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْأَمْكِنَةِ لِمَكَّةَ فِي الِاسْتِطَاعَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ لَا يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ فِي إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ لِإِمْكَانِ تَمَعُّشِهِ فِيهَا بِمَا لَا يُزْرِي فَالْمُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ وُجُودِ مَا يُوصِلُهُ إلَيْهَا مِنْ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ الْحَجُّ بَحْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَحْرَ وَرُدَّ بِأَنَّ الِانْتِهَاءَ إلَى مَكَّةَ لَا يَكُونُ إلَّا بَرًّا لِبُعْدِ الْبَحْرِ مِنْهَا وَتَمَسَّكَ هَذَا الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْحَجْرِ عَلَى رَاكِبِ الْبَحْرِ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ وَالْكَلَامُ عِنْدَ الْأَمْنِ اهـ مج. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَطَبُهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ بِغَرَقِ السَّفِينَةِ أَيْ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فَلَا يَكُونُ كَالْبَرِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ رُكُوبُهُ بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي ح وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ مَا إذَا جُزِمَ بِسَلَامَةِ السَّفِينَةِ أَوْ ظُنَّتْ سَلَامَتُهَا، أَوْ شُكَّ فِي سَلَامَتِهَا مِنْ الْعَطَبِ وَعَدَمِ سَلَامَتِهَا يَكُونُ الْبَحْرُ كَالْبَرِّ فِي وُجُوبِ رُكُوبِهِ لِمَنْ تَعَيَّنَ طَرِيقُهُ، وَجَوَازُهُ بِأَنَّ لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةً هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ) يَعْنِي أَنَّ غَلَبَةَ الْعَطَبِ تَكُونُ بِأُمُورٍ مِنْهَا رُكُوبُهُ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ وَعِنْدَ هَيَجَانِهِ وَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ - أَيْ فِي مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا ذَلِكَ، أَيْ غَلَبَةُ الْعَطَبِ - لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ غَلَبَةِ الْعَطَبِ) أَيْ فِي كَوْنِ الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ رُكُوبُهُ وَلَا يَكُونُ كَالْبَرِّ اسْتِوَاءُ الْعَطَبِ وَالسَّلَامَةِ أَيْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّسَاوِي يَكُونُ كَالْبَرِّ فَيَجِبُ رُكُوبُهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا، وَإِلَّا جَازَ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ حَذَفَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْبَحْرَ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ أَمْنُهُ بِوَجْهٍ كَانَ الْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءَ غَلَبَةِ عَطَبِهِ فَلِذَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ وَالتَّشْبِيهُ فِي مُطْلَقِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: مُلَاحِظًا فِيهِ) أَيْ فِي التَّشْبِيهِ الْأَمْنَ وَالْمَعْنَى وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ الَّذِي يُؤْمَنُ فِيهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُضَيِّعَ رُكْنَ صَلَاةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " يَغْلِبَ عَطَبُهُ " أَيْ فَإِنْ غَلَبَ عَطَبُهُ، أَوْ كَانَ رُكُوبُهُ يُؤَدِّي لِتَضْيِيعِ رُكْنِ صَلَاةٍ فَلَا يَجُوزُ رُكُوبُهُ وَلَا يَكُونُ كَالْبَرِّ. (قَوْلُهُ: لِكَمَيْدٍ) فِي ح عَنْ ابْنِ الْمُعَلَّى وَاللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ حُصُولَ الْمَيْدِ حَرُمَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَهُ جَازَ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " رُكْنَ صَلَاةٍ " يَشْمَلُ الْقِيَامَ فَإِنْ أَدَّى إلَى الْإِخْلَالِ بِهِ يُمْنَعُ رُكُوبُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِظَاهِرِ اللَّخْمِيِّ وَسَنَدٍ اهـ بْن.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ رُكْنِهَا) أَيْ وَمِثْلُ تَضْيِيعِ رُكْنِهَا الْإِخْلَالُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَنَجَاسَةٍ) فِيهِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مُقَيَّدٌ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى إزَالَتِهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ قَدْ نُزِّلَ قُدُومُهُ عَلَى السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ مَنْزِلَةَ صَلَاتِهِ بِهَا مُتَعَمِّدًا، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ السَّفَرِ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا اهـ تَقْرِيرُ عَدَوِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَإِخْرَاجُهَا) عَطْفٌ عَلَى " الْإِخْلَالُ " لَا عَلَى " نَجَاسَةٍ ".
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِدُخُولِهَا فِي النَّاسِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] . (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إذَا أَمْكَنَهَا الْوُصُولُ إمْكَانًا عَادِيًّا مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ وَلَوْ بِلَا زَادٍ وَرَاحِلَةٍ إنْ كَانَ لَهَا صَنْعَةٌ تَقُومُ بِهَا وَقُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي بَعِيدِ مَشْيٍ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَتْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْ مَكَّةَ وَلَا رَاحِلَةَ لَهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْمَشْيُ بَلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute