للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا إنْ ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ ذَا الظُّفُرِ فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَذْبَحُهُ لِصَنَمٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَإِنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطَ جَازَ ذَبْحُهُ أَوْ نَحْرُهُ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ) أَيْ اسْتَحَلَّ أَكْلَهَا (إنْ لَمْ يَغِبْ) عَلَى الذَّبِيحَةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا بِأَنْ ذَبَحَهَا بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ.

(لَا) (صَبِيٍّ) مُمَيِّزٍ (ارْتَدَّ) أَيْ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ لِاعْتِبَارِ رِدَّتِهِ، وَعَدَمِ مُنَاكَحَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأَوْلَى الْكَبِيرُ

(وَ) لَا (ذِبْحَ) بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ مَذْبُوحٍ (لِصَنَمٍ) فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ بِأَنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ أَيْ التَّعَبُّدَ لَهُ لِكَوْنِهِ إلَهًا كَمَا يَقْصِدُ الْمُسْلِمُ التَّقَرُّبَ لِلْإِلَهِ الْحَقِّ.

(أَوْ) ذِبْحَ (غَيْرِ حِلٍّ لَهُ) (إنْ ثَبَتَ) تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِ (بِشَرْعِنَا) ، وَهُوَ ذُو الظُّفُرِ فِي حَقِّ الْيَهُودِ الثَّابِتِ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: ١٤٦] فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالنَّعَامُ وَالْإِوَزُّ لَا الدَّجَاجُ (وَإِلَّا) يَثْبُتُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا بَلْ هُمْ الَّذِينَ أَخْبَرُونَا بِأَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ فِي شَرْعِهِمْ (كُرِهَ) أَكْلُهُ لَنَا وَشِرَاؤُهُ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَفْسَخْ (كَجِزَارَتِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ جَعْلِهِ جَزَّارًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الْبُيُوتِ فَيُكْرَهُ، وَكَذَا بَيْعُهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِعَدَمِ نُصْحِهِ.

(وَ) كُرِهَ لَنَا (بَيْعُ) الطَّعَامِ أَوْ غَيْرِهِ كَثِيَابٍ (وَإِجَارَةُ) الدَّوَابِّ وَسَفِينَةٍ وَغَيْرِهَا (لِعِيدِهِ) أَيْ الْكَافِرِ، وَكَعِيدِهِ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ كُلِّ مَا يَعْظُمُ بِهِ شَأْنُهُ.

(وَ) كُرِهَ لَنَا (شِرَاءُ ذِبْحِهِ) أَيْ مَا ذَبَحَهُ لِنَفْسِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَحِلُّ ذَبْحُهُ لَهُ

ــ

[حاشية الدسوقي]

وَالْمَنْعِ نَعَمْ كُلٌّ مِنْ الْحِلَّيْنِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: لَا إنْ ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ إلَخْ) ، وَأَمَّا لَوْ ذَبَحَهُ نَصْرَانِيٌّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُسْتَحِلُّهُ خَاصٌّ بِالْيَهُودِيِّ، وَالشَّرْطُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِنَفْسِهِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ الذَّبْحِ لِلصَّنَمِ عَامٌّ فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَغِبْ عَلَى الذَّبِيحَةِ) أَيْ فَإِنْ غَابَ عَلَيْهَا لَمْ تُؤْكَلْ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ابْنُ رَاشِدٍ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ لَمْ يَغِبْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَإِذَا اسْتَحَلَّ الْمَيْتَةَ فَكَيْفَ يَنْوِي الذَّكَاةَ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَاهَا فَكَيْفَ يَصْدُقُ، وَقَبِلَهُ الْبَاجِيَّ وَابْنُ عَرَفَةَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ، وَإِنْ أَكَلُوا الْمَيْتَةَ إنْ لَمْ يَغِيبُوا عَلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ نِيَّةَ الذَّكَاةِ لَا تُشْتَرَطُ مِنْ الْكَافِرِ، وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ مُطْلَقًا غَابُوا عَلَيْهَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي حَقِّ كُلِّ مُذَكٍّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ الْخِلَافُ.

(قَوْلُهُ: لَا صَبِيٍّ ارْتَدَّ) عَطْفٌ عَلَى يُنَاكَحُ أَيْ قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يُنَاكَحُ لَا قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا نِكَاحُ أُنْثَاهُ أَوْ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ قَطْعُ مُمَيِّزٍ بَاقٍ عَلَى دِينِهِ لَا قَطْعُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ ارْتَدَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ يُنَاكَحُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُقْتَلُ حَالًا بِرِدَّتِهِ كَانَتْ رِدَّتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَأَنَّ ذَكَاتَهُ صَحِيحَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمِ مُنَاكَحَتِهِ) أَيْ، وَعَدَمُ جَوَازِ نِكَاحِ أُنْثَاهُ.

(قَوْلُهُ: لِصَنَمٍ) أَرَادَ بِهِ كُلَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ الصَّنَمَ وَالصَّلِيبَ وَغَيْرَهُمَا كَعِيسَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَصْدَ التَّقَرُّبَ لَهُ) أَيْ، وَأَمَّا مَا ذَبَحُوهُ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ مِنْهُ، وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَلَكِنْ سُمِّيَ عَلَيْهِ اسْمُ عِيسَى أَوْ الصَّنَمُ تَبَرُّكًا فَهَذَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الْآتِي فِي الْمُصَنَّفِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَبْحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا قَصَدُوا بِهِ التَّقَرُّبَ لِآلِهَتِهِمْ بِأَنْ ذَبَحُوهُ لِآلِهَتِهِمْ قُرْبَانًا وَتَرَكُوهُ لَهَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي ذَبْحٍ لِصَلِيبٍ فَالْمُرَادُ مَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِقَصْدِ أَكْلِهِمْ مِنْهُ، وَلَوْ فِي أَعْيَادِهِمْ لَكِنْ سَمُّوا عَلَيْهِ اسْمَ آلِهَتِهِمْ مَثَلًا تَبَرُّكًا فَهَذَا يُؤْكَلُ بِكُرْهٍ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ عُمُومُ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ بْن فَلَمْ يُعَوِّلُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَا عَلَى ذِكْرِ آلِهَتِهِمْ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَشْيَاخُنَا الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَبْحِ الْكِتَابِيِّ لِلصَّنَمِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ اسْمُ الصَّنَمِ عِنْدَ ذَبْحِهِ بِأَنْ قِيلَ بِاسْمِ الصَّنَمِ مَثَلًا بَدَلَ بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مُحَلِّلًا كَاَللَّهِ أَوْ مُتَبَرَّكًا بِهِ تَبَرُّكَ الْأُلُوهِيَّةِ، وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلصَّنَمِ قَاصِدًا إهْدَاءَ ثَوَابِهِ لَهُ كَذَبْحِ الْمُسْلِمِينَ لِأَوْلِيَائِهِمْ، وَالْحَالُ أَنَّهُ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ، وَذَبْحٍ لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى، وَكَلَامُ شَارِحِنَا يَمِيلُ فِيمَا يَأْتِي لِمَا قَالَهُ الْمِصْرِيُّونَ، وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَتْرُكُونَ مَا يَذْبَحُونَهُ قُرْبَانًا لِآلِهَتِهِمْ هَدَرًا بَلْ يُطْعِمُونَهُ لِفُقَرَائِهِمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَ بْن يَقْتَضِي عَدَمَ الْأَكْلِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ عُمُومِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» كَمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْأَكْلَ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ آلِهَتِهِمْ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ عُمُومِ {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] .

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِبِلُ) أَيْ، وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَالْمُرَادُ بِذِي الظُّفُرِ كُلُّ مَا كَانَ لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْخُفِّ، وَلَا مُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ فَخَرَجَ الدَّجَاجُ لِانْفِرَاجِ أَصَابِعِهَا، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: كُلُّ ذِي ظُفُرٍ أَيْ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ وَحَافِرٍ، وَيُسَمَّى الْحَافِرُ ظُفُرًا مَجَازًا، وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ حُمُرُ الْوَحْشِ (قَوْلُهُ: وَشِرَاؤُهُ مِنْهُمْ) مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَرَاهَةِ شِرَاءِ ذَلِكَ مِنْهُمْ هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا فِي خش مِنْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: كَجِزَارَتِهِ) الضَّمِيرُ لِلْمُمَيِّزِ الَّذِي يُنَاكَحُ أَيْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ جَزَّارًا أَيْ ذَبَّاحًا يَذْبَحُ مَا يَسْتَحِلُّهُ لِيَبِيعَهُ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبُيُوتِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ اسْتِنَابَتِهِ، وَقَوْلُهُ، وَكَذَا بَيْعُهُ أَيْ لِلَّحْمِ أَوْ غَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ مَا يُعَظَّمُ بِهِ شَأْنُهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>