للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ.

(وَ) كُرِهَ لَنَا (تَسَلُّفُ ثَمَنِ خَمْرٍ) مِنْ كَافِرٍ بَاعَهُ أَوْ مُسْلِمٍ لَكِنَّ هَذَا أَشَدُّ كَرَاهَةً (وَ) كُرِهَ لَنَا (بَيْعُ) السِّلْعَةِ (بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الْخَمْرِ (لَا) (أَخْذُهُ) أَيْ ثَمَنِ الْخَمْرِ مِنْ كَافِرٍ (قَضَاءً) عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ بَيْعًا.

(وَ) كُرِهَ لَنَا (شَحْمُ يَهُودِيٍّ) أَيْ أَكْلُهُ مِنْ بَقَرٍ وَغَنَمٍ ذَبَحَهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّحْمُ الْخَالِصُ كَالثَّرْبِ بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ شَحْمٌ رَقِيقٌ يَغْشَى الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءَ لَا مَا اخْتَلَطَ بِالْعَظْمِ، وَلَا الْحَوَايَا، وَهِيَ الْأَمْعَاءُ.

(وَ) كُرِهَ لَنَا (ذِبْحُ) أَيْ مَا ذَبَحَهُ النَّصْرَانِيُّ (لِصَلِيبٍ أَوْ عِيسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَيْ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ بِنَفْعِهِمَا كَمَا يَقْصِدُ الْمُسْلِمُ الذَّبْحَ لِوَلِيٍّ لِلَّهِ أَيْ لِنَفْعِهِ بِالثَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَا تُشْتَرَطُ مِنْ كَافِرٍ فَلِذَا لَوْ قَصَدَ بِالصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى التَّعَبُّدَ لَمُنِعَ كَالصَّنَمِ أَوْ النَّفْعَ لِلصَّنَمِ لَكُرِهَ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ (وَ) كُرِهَ لَنَا (قَبُولُ مُتَصَدِّقٍ بِهِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلصَّلِيبِ أَوْ عِيسَى وَأَوْلَى لِأَمْوَاتِهِمْ، وَكَذَا قَبُولُ مَا يَهْدُونَهُ فِي أَعْيَادِهِمْ مِنْ نَحْوِ كَعْكٍ وَبَيْضٍ.

(وَ) كُرِهَ (ذَكَاةُ خُنْثَى وَخَصِيٍّ) ، وَأَوْلَى مَجْبُوبٍ (وَفَاسِقٍ) لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْ فِعْلِهِمْ ذَكَّى كُلٌّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَالصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا.

(وَفِي) حِلِّ (ذِبْحِ كِتَابِيٍّ) حَيَوَانًا مَمْلُوكًا (لِمُسْلِمٍ) ، وَكَّلَهُ عَلَى ذَبْحِهِ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا وَعَدَمُ حِلِّهِ فَلَا يَجُوزُ (قَوْلَانِ) .

ثُمَّ ذَكَرَ النَّوْعَ الثَّالِثَ، وَهُوَ الصَّيْدُ بِقَوْلِهِ (وَجَرْحُ) شَخْصٍ (مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى

ــ

[حاشية الدسوقي]

أَيْ مِثْلَ صَبْغِ الْبَيْضِ فِي أَيَّامِ أَعْيَادِهِمْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ الشِّرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْضُوعُ الْخِلَافِ الْآتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَفِي ذَبْحِ كِتَابِيٍّ لِمُسْلِمٍ قَوْلَانِ وَتَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا الْكَرَاهَةُ.

(قَوْلُهُ: وَتَسَلُّفُ ثَمَنِ خَمْرٍ مِنْ كَافِرٍ) أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخَمْرُ لِمُسْلِمٍ فَبَاعَهُ فَيَحْرُمُ تَسَلُّفُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذْ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّ ثَمَنِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِرَاقَتُهُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ هَذَا) أَيْ لَكِنَّ تَسَلُّفَ هَذَا الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ لِلْمُسْلِمِ أَشَدُّ كَرَاهَةً مِمَّا إذَا كَانَ بَاعَهُ بِهِ لِكَافِرٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ) أَيْ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ بَيْعًا أَيْ مِنْ بَيْعٍ

(قَوْلُهُ: وَشَحْمُ يَهُودِيٍّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ أَيْ لَا تَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ الشَّاةِ مَثَلًا دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا صَحَّتْ ذَكَاتُهُ فِي اللَّحْمِ شَمَلَتْ الْكُلَّ فَلَمْ يَحْرُمْ الشَّحْمُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكًّى، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ أَنَّ فِي شُحُومِ الْيَهُودِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْإِجَازَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْمَنْعُ، وَأَنَّهَا تَرْجِعُ لِقَوْلَيْنِ الْمَنْعُ وَالْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ قَبِيلِ الْإِجَازَةِ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: ٥] هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ أَوْ مَا يَأْكُلُونَ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ ذَبَائِحُهُمْ أَجَازَ أَكْلَ شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ، وَمُحَالٌ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ قَالَ: وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَأْكُلُونَ لَمْ يُجِزْ أَكْلَ شُحُومِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَأْكُلُونَ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لِأَجْلِ التَّقَرُّبِ بِنَفْعِهِمَا) أَيْ بِثَوَابِهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ بَلْ ذَكَرَ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ اسْمَ اللَّهِ، وَلَا غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَعُودَ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ لِمَنْ ذَكَرَ.

(قَوْلُهُ: وَفَاسِقٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالْجَارِحَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ كَبِدْعِيٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ كُفْرِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ ذَكَاتِهِمَا قَالَ ح هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ ذَبْحِهِمَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَصَرَّحَ فِي آخِرِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إلَخْ أَيْ بِخِلَافِ الْأَغْلَفِ فَلَا تُكْرَهُ ذَكَاتُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ح قَالَ وَحُكِيَ فِي الْبَيَانِ كَرَاهَةَ ذَكَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) مِثْلُ الْحَائِضِ النُّفَسَاءُ فِي جَوَازِ ذَبْحِهَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ إنْ ذَبَحَ لِنَفْسِهِ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ كَوْنُهُ جَزَّارًا فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَمَّا جَزْرُهُ لِنَفْسِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي حِلِّ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ شَاسٍ، وَفِي إبَاحَةِ مَا ذَبَحُوهُ لِمُسْلِمٍ وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ، وَعِبَارَةُ التَّوْضِيحِ فَفِي جَوَازِ أَكْلِهَا، وَمَنْعِهِ قَوْلَانِ وَجَعَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَرَاهَةَ قَوْلًا ثَالِثًا، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ وَنَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ لِمُسْلِمٍ مَلَكَهُ بِإِذْنِهِ وَحُرْمَتِهَا ثَالِثُهَا يُكْرَهُ. اهـ. وَالرَّاجِحُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِالْكَرَاهَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِي ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ مَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِتَمَامِهِ أَوْ جُزْءًا مِنْهُ بِأَنْ كَانَ شَرِكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكِتَابِيِّ الذَّابِحِ أَمَّا ذَبْحُ الْكِتَابِيِّ لِكَافِرٍ آخَرَ، وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَسْلَمَ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ذَبَحَ مَا لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَبْحِهِ، وَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا اُتُّفِقَ عَلَى صِحَّةِ ذَبْحِهِ فَإِنْ ذَبَحَ مَا يَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ حَالِ الذَّابِحِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ.

(قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ مُمَيِّزٌ) الْمُرَادُ مُسْلِمٌ حَالَ إرْسَالِ السَّهْمِ أَوْ الْحَيَوَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّمْيِيزِ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِرْسَالِ، وَقَبْلَ الْوُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الْجِنَايَةِ مَعْصُومًا مِنْ حِينِ الرَّمْيِ لِلْإِصَابَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَأْكُلُهُ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَخَفُّ أَلَا تَرَى الْخِلَافَ هُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ وَهْبٍ لَا يَشْتَرِطَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>