لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّيْدِ فَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، وَلَهُ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَكَاتُهُ كَالصَّيْدِ، وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى خَوْفِ مَوْتِهِ ضَمِنَهُ إنْ ذَكَّاهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ إلَّا الرَّاعِيَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ، وَشُبِّهَ فِي الضَّمَانِ قَوْلُهُ: (كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهِ (بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ مَالِهِ فَيَضْمَنُ النَّفْسَ فِي الدِّيَةِ، وَفِي الْمَالِ الْقِيمَةَ (أَوْ) تَرَكَ التَّخْلِيصَ بِ (شَهَادَتِهِ) أَيْ بِتَرْكِهَا حَيْثُ طُلِبَتْ مِنْهُ أَوْ عَلِمَ أَنَّ تَرْكَهَا يُؤَدِّي لِلْهَلَاكِ، وَكَذَا إنْ تَرَكَ تَجْرِيحَ شَاهِدِ الزُّورِ (أَوْ) تَرَكَ التَّخْلِيصَ (بِإِمْسَاكِ وَثِيقَةٍ) بِمَالٍ أَوْ بِعَفْوٍ عَنْ دَمٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ شَاهِدُهَا لَا يَشْهَدُ لَا بِهَا أَوْ نَسِيَ الشَّاهِدُ مَا يَشْهَدُ بِهِ، وَلَا يَذْكُرُ الْوَاقِعَةَ إلَّا بِهَا (أَوْ تَقْطِيعَهَا) أَيْ الْوَثِيقَةِ فَضَاعَ الْحَقُّ فَيَضْمَنُهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سِجِلٌّ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَا يَغْرَمُهُ عَلَى إخْرَاجِهَا.
(وَفِي) (قَتْلِ شَاهِدَيْ حَقٍّ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَتَّى فَاتَ الْحَقُّ بِقَتْلِهِمَا (تَرَدُّدٌ) فِي ضَمَانِ قَاتِلِهِمَا لِتَفْوِيتِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَيُعْلَمُ كَوْنُهُمَا شَاهِدَيْ حَقٍّ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِقَتْلِهِمَا إبْطَالَ الْحَقِّ بَلْ لِلْعَدَاوَةِ وَلِذَا لَوْ قَصَدَ بِقَتْلِهِمَا ضَيَاعَ الْحَقِّ لَضَمِنَ قَطْعًا وَالْأَظْهَرُ مِنْ التَّرَدُّدِ ضَمَانُ الْمَالِ، وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عِنْدَ ابْنِ مُحْرِزٍ.
(وَ) يَضْمَنُ بِسَبَبِ (تَرْكِ مُوَاسَاةٍ وَجَبَتْ بِخَيْطٍ) وَنَحْوَهُ (لِجَائِفَةٍ) بِعَاقِلٍ إنْ خَاطَ بِهِ سَلِمَ فَتَرَكَ الْمُوَاسَاةَ حَتَّى تَلِفَ، وَمِثْلُ الْخَيْطِ الْإِبْرَةُ، وَمِثْلُ الْجَائِفَةِ كُلُّ جَرْحٍ يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
مَنْزِلَةَ رَبِّهِ، وَهُوَ لَوْ أَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ بَلْ يَكُونُ مَيْتَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ فَيَتَنَاوَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا ضَمِنَهُ) أَيْ، وَإِلَّا يُذْكِهِ ضَمِنَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى خَوْفِ مَوْتِهِ) أَيْ فَالْوَاجِبُ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَضَمِنَهُ إنْ ذَكَّاهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَارِّ وَالْوَدِيعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ) أَيْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِ الْهَلَاكَ فَذَبَحَ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: كَتَرْكِ تَخْلِيصِ مُسْتَهْلَكٍ) أَيْ مُتَوَقَّعٍ لِلْهَلَاكِ، وَلَوْ كَانَ التَّارِكُ لِلتَّخْلِيصِ صَبِيًّا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ كَمَا عَلِمْتَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيصُ الْمُسْتَهْلَكِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى رَبِّهِ حَيْثُ تَوَقَّفَ الْخَلَاصُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ رَبُّهُ فِي دَفْعِ الْمَالِ لِخَلَاصِهِ، وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَالْأَحْسَنُ فِي الْمُفْدَى مِنْ لِصٍّ أَخْذُهُ بِالْفِدَاءِ. اهـ. شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ دَفَعَ غَرَامَةً عَنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لِلدَّافِعِ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ إنْ حَمَى بِتِلْكَ الْغَرَامَةِ مَالَهُ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: فَيَضْمَنُ فِي النَّفْسِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ الْمَالِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ حَتَّى ضَاعَ ذَلِكَ الْمَالُ عَلَى رَبِّهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَأَمَّا إذَا تَرَكَ تَخْلِيصَ النَّفْسِ حَتَّى قُتِلَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ إنْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ تَرَكَهُ مُتَأَوِّلًا، وَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ تَرَكَ التَّخْلِيصَ عَمْدًا هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَازَالَ الشُّيُوخُ يُنْكِرُونَ حِكَايَتَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ ح، وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ ذَلِكَ عَنْ الْخِلَافِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ الزُّورَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى قُتِلَ بِهَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ قَالَ فَقَدْ قِيلَ يُقْتَلُ الشَّاهِدُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا قَتْلَ عَلَيْهِ. اهـ. وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ خش، وَلَوْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِإِهْلَاكِهِ بِتَرْكِ تَخْلِيصِهِ قُتِلَ غَيْرُ صَوَابٍ. اهـ.
بْن (قَوْلُهُ: أَوْ عَلِمَ) أَيْ، وَلَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ، وَلَكِنْ عَلِمَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ يُؤَدِّي لِلْهَلَاكِ أَيْ هَلَاكِ الْحَقِّ أَوْ النَّفْسِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَقْطِيعُهَا) قَالَ طفى تَقْطِيعُ الْوَثِيقَةِ، وَقَتْلُ شَاهِدَيْ الْحَقِّ لَيْسَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا هَلْ التَّرْكُ يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا كَمَا فَعَلَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يُخَلَّلُ بِهِمَا الْمَسَائِلُ الْجَارِيَةُ عَلَى الْقَانُونِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: وَيُعْلَمُ كَوْنُهُمَا شَاهِدَيْ حَقٍّ بِإِقْرَارِ الْقَاتِلِ بِذَلِكَ) أَيْ، وَكَذَا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ بِأَنَّهُمَا شَاهِدَا حَقٍّ حَيْثُ لَا يَشْهَدُ الِاثْنَانِ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا) أَيْ فِي جَرَيَانِ التَّرَدُّدِ قَتْلُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ فَفِي تَضْمِينِ الْقَاتِلِ لَهُ الْحَقُّ، وَعَدَمُ تَضْمِينِهِ تَرَدُّدٌ، وَالْأَظْهَرُ تَضْمِينُهُ، قَالُوا: وَمِثْلُ قَتْلِهِمَا قَتْلُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ كَانَ الْحَقُّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَيْ فَيَكُونُ الْأَظْهَرُ غُرْمَهُ جَمِيعَ الْحَقِّ اُنْظُرْ بْن.
(قَوْلُهُ: كُلُّ جُرْحٍ إلَخْ) أَيْ فَإِذَا جُرِحَ إنْسَانٌ جُرْحًا يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ سَوَاءٌ كَانَ جَائِفَةً أَفَضْت لِجَوْفِهِ أَوْ غَيْرَ جَائِفَةٍ، وَاقْتَضَى الْحَالُ خِيَاطَتَهُ بِفَتْلَةِ خَيْطٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ حَالًا وَمَآلًا أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَهُ الثَّوْبُ أَوْ لِجَائِفَةِ دَابَّةٍ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِهَا أَوْ كَانَ مَعَهُ الْإِبْرَةُ، وَكَانَ مُوَاسَاةُ الْمَجْرُوحِ بِذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ مُوَاسَاتَهُ بِمَا ذُكِرَ، وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَجْرُوحُ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ بِتَرْكِ الْمُوَاسَاةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْأَدَبُ بِتَرْكِهَا، وَالدِّيَةُ أَوْ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَبُّ الْخَيْطِ مُحْتَاجًا لَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ دَابَّةٍ يَمُوتُ بِمَوْتِهَا وَتَرَكَ الْإِعْطَاءَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute